بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل: أي الشيطان في كل ما يمليه عليهم ويزينه لهم من الكفر والشرك والمعاصي.
وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم: أي التوحيد والعمل الصالح.
كذلك يضرب الله للناس أمثالهم: أي كما بين تعالى حال الكافرين، وحال المؤمنين في هذه الآية يبين للناس أمثالهم ليعتبروا.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿الَّذِينَ١ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ٢﴾ هذه جملة خبرية أخبر تعالى فيها عن حال من كفر بالله ورسوله وصد عن سبيل الله أي الإسلام غيره من الناس أضل الله عمله٣ فأحبطه فلم يحصل له ثواب في الآخرة، ولازمه أنه هالك في النار، وتكون هذه الجملة كأنها جواب لسؤال نشأ عن قوله تعالى في خاتمة سورة الأحقاف قبل هذه السورة وهي فهل يهلك إلا القوم الفاسقون أي ما يهلك إلا القوم الفاسقون فقال قائل من هم القوم الفاسقون؟ فكان الجواب الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وهو وجه ارتباط بين السورتين حسن. هذا وقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ أي٤ بالله ورسوله وآياته ولقائه وعملوا الصالحات أي أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وصاموا رمضان وحجوا بيت الله الحرام ووصلوا الأرحام وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر. ولو بالاستعداد للقيام بذلك إذ بعض هذه الصالحات لم يشرع بعد وآمنوا بما نزل على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو القرآن الكريم والسنة الصحيحة لأنها وحي إلهي يتلقاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي صحيح الحديث "ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه" وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ آي القرآن لأنه ناسخ للكتب قبله ولا ينسخ بكتاب بعده. فهو الحق الثابت الباقي إلى نهاية الحياة. وقوله: ﴿كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ أي محا عنهم ذنوبهم وأصلح بالهم ٥ أي ِشأنهم وحالهم فلم يفسدوا بعد بشرك ولا كفر
٢ قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذه الآية في المطعمين ببدر وهم اثنا عشر رجلا: أبو جهل والحارث بن هشام وذكرهم، وهم الذين أطعموا الناس يوم بدر ليثبتوا على القتال ولا يفروا، أبطل أعمالهم لعلة شركهم وكفرهم والآية عامة في كل كافر وما بعدها في كل مؤمن.
٣ أصل الإضلال: الخطأ عن الطريق، ولما كان المطعمون عملوا عملا ظنوا أنه خير لهم ونافع فلما أبطله الله تعالى عليهم فلم ينتفعوا به كانوا كمن ضل طريقه فشقى وهلك.
٤ هذه فئة المؤمنين المقابلة لفئة الكافرين ذكر لها ثلاث صفات كما لتلك ثلاث صفات وهي: الإيمان المقابل للكفر، والإيمان بما نزل على محمد المقابلة للصد عن سبيل الله، وعمل الصالحات المقابلة لما فعله المطعمون من الطعام.
٥ البال: يطلق على القلب والعقل، وعلى ما يخطر للمرء من التفكير وهو أكثر إطلاقه ولعله حقيقة فيه، ومجاز في غيره، ويطلق أيضا على الحال والشأن، والقدر لحديث "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر".