وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}. وقوله تعالى ﴿ذَلِكَ﴾ أي الأمر الذي علمتم من استمرار القتل والأسر إلى أن تضع الحرب أوزارها١ بالدخول في٢ الإسلام أو في ذمة المسلمين وقوله ولو شاء الله لانتصر منهم أي بدون قتال منكم ولكن بخسف أو وباء أو صواعق من السماء ولكن لم يفعل ذلك من أجل أن يبلوا بعضكم ببعض أي ليختبركم بهم. فيعلم المجاهدين منكم والصابرين، ويبلوهم بكم فيعاقب من شاء منهم بأيديكم، ويتوب على من يشاء منهم كذلك، إذ انتصارهم عليكم ووقوعهم تحت سلطانكم يساعدهم على التوبة إلى الله والرجوع إلى الحق فيسلموا فيفلحوا بالنجاة من النار ودخول الجنة، وقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ قُاتلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ وفي قراءة٣ والذين قتلوا في سبيل الله وهذه عامة في شهداء أحد وغيرهم وإن نزلت الآية فيهم فإن الله تعالى يخبر عن أنعامه عليهم بقوله فلن يضل أعمالهم سيهديهم في الدنيا ويوفقهم إلى كل خير ويصلح شأنهم، ويدخلهم في الآخرة الجنة عرفها لهم أي بينها لهم في كتابه ولسان رسوله وطيبها لهم أيضاً، ٤ وفي الآخرة يهديهم إلى منازلهم في الجنة كما قال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة من منزله الذي كان بالدنيا" (البخاري)، وقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ أي يا من آمنتم بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا أن تنصروا الله بنصر دينه ونبيه وأوليائه بقتال أعدائه ينصركم الله ويجعل الغلبة لكم، ويثبت أقدامكم في كل معترك لقيتم فيه المشركين والكافرين. وهذا وعد من الله تعالى كم أنجزه لعباده المؤمنين في تاريخ الجهاد في سبيل الله، وقوله تعالى والذين كفروا فتعساً٥ لهم أي تعسوا تعسا٦ وهلكوا هلاكا وخابوا وخسروا، وأضل أعمالهم فلم يعثروا عليها ولم يروا لها أدنى فائدة ذلك الجزاء وتلك العقوبة بأنهم أي بسبب أنهم كرهوا ما أنزل الله أي من القرآن من آيات التوحيد والشرائع والأحكام فأحبط أي لذلك أعمالهم فخسروا في الحياتين.

١ الأوزار: جمع وزر كحمل وأحمال، والمراد بها الأثقال من العتاد الحربي وهي كناية عن انتهاء الحرب بنصر الإسلام والمسلمين.
٢ اختلف في: هل هذه الآية منسوخة أو محكمة والصحيح أنها محكمة وأن الإمام مخير بين القتل والأسر والفداء والمن ولكن لابد من النظر في مصلحة الإسلام والمسلمين فنظر الحاكم يكون محققاً للمصلحة العامة.
(قاتلوا) قراءة نافع و (قتلوا) قراءة حفص كما تقدم في النهر قريباً.
٤ قال ابن عباس (عرفها لهم) أي طيبها لهم بأنواع الملاذ مأخوذ من العرف بفتح العين: الرائحة الطيبة.
٥ التعس: الشقاء، ويطلق على الهلاك والخيبة والسقوط والانحطاط.
(تعسا) : منصوب على المفعولية المطلقة كما في التفسير ويجوز أن يكون مستعملاً في الدعاء عليهم لقصد التحقير والتفضيع لشأنهم وهو مثل سقياً ورعياً له وتباً له وويحاً له، وإن كان هذا فإنه يتعين تقدير قول محذوف أي: فقال الله: تعساً لهم. كقول أم مسطح: تعس مسطح دعاء عليه.


الصفحة التالية
Icon