يلتفتون إلى الآخرة. ﴿وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ١﴾ أي مقام ومنزل ومصير، وهذا وعيد شديد للكافرين. وهذا هو الترغيب والترهيب الذي هو سمة بارزة في أسلوب القرآن في الهداية البشرية وقوله تعالى ﴿وَكَأَيِّنْ٢ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ٣ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ﴾ هذه الآية نزلت ساعة خروج الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بيته إلى غار ثور مهاجراً فقد التفت إلى مكة وقال أنت أحب البلاد إلى الله وأحب بلاد الله إلي ولو أن المشركين لم يخرجونني لم أخرج منك. ومعنى الآية الكريمة وكثير من القرى أهلها أشد قوة من أهل قريتك "مكة" التي أخرجك أهلها حيث حكموا بإعدامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهلكناهم أي أهل تلك القرى فلا ناصر وجد لهم عند إهلاكنا لهم. فكانت هذه الآية تحمل تسلية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأي تسلية!! وقوله تعالى ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ أي على علم وبرهان من صحة معتقده وعبادته لله تعالى راجياً ثوابه خائفا من عقابه وهؤلاء هم المؤمنون، كمن زين له سوء أي قبيح عمله من الشرك والكفر فهو يعبد الأصنام، واتبعوا أهواءهم هم في ذلك فلم يتبعوا وحياً إلهياً ولا عقلا إنسانيا فهل حالهم كحال من ذكروا قبلهم والجواب لا يتماثلان إذا بينهما من الفوارق كما بين الحياة والموت، والجنة والنار.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير قاعدة: العاقل من اعتبر بغيره.
٢- تقرير ولاية الله لأهل الإيمان والتقوى.
٣- بيان الفرق بين الماديين وأهل الإيمان والاستقامة على منهج الإسلام.
٤- تسلية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تخفيفا من آلامه التي يعانيها من إعراض المشركين وصوفهم عن الإسلام.
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ

١ المثوى: مكان الثواء، الذي هو الاستقرار، وشاهده قول الشاعر:
آذنتنا ببينها أسماء
رب ثاوٍ يمل منه الثواء
(كأين) تدل بوضعها على كثرة العدد مثل كم والمراد بالقرية أهلها بدليل أهلكناهم إذ لم يقل: أهلكناها، والمراد بالقرية هنا: مكة أم القرى وأضيفت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تشريفاً لها زيادة على شرفها إذ هي بلد الله الأمين.
٣ أطلق الإخراج على ما عامل به المشركون الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الجفاء والأذى ومحاربة نشر الدعوة فكان ذلك سبب خروجه منها، فأطلق الإخراج على مسبباته، وإلا فالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج باختياره ولم يكرهه المشركون على الخروج بل كانوا يحاولون منعه من الخروج.


الصفحة التالية
Icon