أما التفسير الإشاري، فلا يرتكز على مقدمات علمية، بل يرتكز على رياضة روحية يأخذ بها الصوفي نفسه حتى يصل إلى درجة تنكشف له فيها من سخف العبارات هذه الإشارات القدسية، وتنهل على قلبه من سحب الغيب ما تحمله الآيات من المعارف السبحانية.
ثانيا: أن التفسير الصوفي النظري، يرى صاحبه أنه كل ما تحمله الآية من المعاني، وليس وراءه معنى آخر يمكن أن تحمل الآية عليه.. هذا بحسب طاقته طبعا.
أما التفسير الإشاري، فلا يرى الصوفي أنه كل ما يراد من الآية بل يرى أن هناك معنى آخر تحتمله الآية ويراد منها أولا وقبل كل شيء: ذلك هو المعنى الظاهر الذي ينساق إليه الذهن قبل غيره.
شرعية التفسير الإشاري:
ولسنا ننكر أن للتفسير الإشاري سندا شرعيا، ولا ندعى أنه حدث في الدين ابتدعه المتصوفة في تفسير القرآن الكريم فقد أشار إليه القرآن الكريم بقوله: ﴿.. فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً﴾ النساء٨٢، وقوله: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ محمد ٢٤ وبيان ذلك- كما يقرره الشاطبي في الموافقات- ٢ ص ٣٨٢، ٣٨٣-: "أن القرآن له ظهر وبطن، فحيث ينعى القرآن على الكفار أنهم لا يكادون يفقهون حديثا يحضهم على التدبر في آياته، لا يريد بذلك أنهم لا يفهمون نفس الكلام أو حضهم على فهم ظاهره، لأن القوم عرب والقرآن لم يخرج عن لغتهم فهم يفهمون ظاهره ولاشك، وإنما أراد بذلك: أنهم لا يفهمون عن الله مراده من الخطاب، وحضهم على أن يتدبروا في آياته حتى يقفوا على مقصود الله ومراده، وذلك هو الباطن الذي جهلوه ولم يصلوا إليه بعقولهم.