هذا، وينبغي أن يعلم أن المعاني الظاهرة للنص القرآني لا يشترط لمعرفتها أكثر من الجريان على اللسان العربي، وكل معنى مستنبط من القرآن غير جار على اللسان العربي فليس من تفسير القرآن في شيء.. لا مما يستفاد منه ولا مما يستفاد به، ومن ادعى فيه ذلك فهو مبطل في دعواه.
أما المعنى الباطن، فلا يكفي فيه الجريان على اللسان العربي وحده، بل لابد فيه مع ذلك من نور يقذفه الله تعالى في قلب الإنسان يصير به نافذ البصيرة في التفكير، ومن هذا: أن التفسير الإشاري ليس أمرا خارجا عن مدلول اللغة، ولهذا اشترط العلماء لصحة هذا اللون من التفسير شرطين أساسيين:
أولهما: أن يصح على مقتضى الظاهر المقرر في لسان العرب، بحيث يجرى على المقاصد العربية.
ثائيهما: أن يكون له شاهد نصا أو ظاهرا في محل آخر يشهد لصحته من غير معارض.
أما الشرط الأول: فظاهر من قاعدة كون القرآن عربيا، فإنه لو كان له فهم لا يقتضيه كلام العرب لم يوصف بكونه عربيا، ولأنه مفهوم يلصق بالقرآن وليس في ألفاظه ولا في معانيه ما يدل عليه، وما كان كذلك فلا يصح أن ينسب إلى القرآن أصلا، ومن قال هذا فهو متقول على الله بالهوى والغرض.
وأما الشرط الثاني: فانه إذا لم يكن له شاهد في محل آخر، أو كان له معارض، صار مرر جملة الدعاوى التي تدعى على القرآن، والدعوة المجردة عن الدليل غير مقبولة باتفاق العلماء"١.