وجه يرونه في نفوسهم، ووجه آخر يرونه فيما خرج عنهم، فيسمون ما يرونه في نفوسهم إشارة ليأنس الفقيه صاحب الرسوم إلى ذلك ولا يقولون في ذلك أنه تفسير وقاية لشرهم وتشنيعهم في ذلك بالكفر عليه، وذلك لجعلهم بمواقع خطاب الحق، واقتدوا في ذلك بسنن الهدى، فإن الله كان قادرا على تنصيص ما تأوله أهل الله في كتابه، ومع ذلك فما فعل، بل أدرج في تلك الكلمات الإلهية التي نزلت بلسان العامة علوم معاني الاختصاص التي فهمها عباده حين فتح لهم فيها بعين الفهم الذي رزقهم.
ولو كان علماء الرسوم ينصفون لاعتبروا في نفوسهم إذا نظروا في الآية بالعين الظاهرة التي يسلمونها فيما بينهم، فيرون أنهم يتفاضلون في ذلك، وبعلو بعضهم على بعض لا الكلام في معنى تلك الآية، وبقر القاصر بفضل غير القاصر فيها وكلهم في مجرى واحد، ومع هذا الفضل المشهود لهم فيما بينهم في ذلك، ينكرون على أهل الله إذا جاءوا بشيء مما يغمض عن إدراكهم، وذلك لأنهم يعتقدون فيهم أنهم ليسوا بعلماء، وأن العلم لا يحصل إلا بالتعلم المعتاد في العرف، وصدقوا، فان أصحابنا ما حصل لهم ذلك العلم إلا بالتعلم، وهو الإعلام الرحماني الرباني، قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ فإنه القائل: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً﴾. ﴿خَلَقَ الْأِنْسَانَ. عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ فهو- سبحانه- علم الإنسان فلا نشك أن أهل الله هم ورثة الرسل عليهم السلام، والله يقول في حق الرسول: ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾ وقال في حق عيسى: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالأِنْجِيلَ﴾ وقال في حق خضر صاحب موسى عليهما السلام: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً﴾ فصدق علماء الرسوم