الآخر، فمن شاء لنفسه صفاء ورفعة فلابد له أن يتبرأ عن الشهوات وملذات البدن.. فالتصوف إذا: فكر، وعمل، ودراسة، وسلوك"١. والتصوف بهذا المعنى موجود منذ الصدر الأول للإسلام، فكثير من الصحابة كانوا معرضين عن الدنيا ومتاعبها، آخذين أنفسهم بالزهد والتقشف، مبالغين في العبادة. فكان منهم من يقوم الليل ويصوم النهار، ومنهم من يشد الحجر على بطنه تربية لنفسه، وتهذيبا لروحه، غير أنهم لم يعرفوا في زمنهم باسم الصوفية، وإنما اشتهر بهذا اللقب فيها بعد من عرفوا بالزهد والتفاني في طاعة الله، وكان ظهو هذا اللقب في القرن الثاني الهجري، قيل: وأول من اشتهر به، أبو هاشم الصوفي المتوفي سنة ٥٥اهـ خمسين ومائة من الهجرة٢.
وفي القرن الثاني وما بعده تولدت بعض الأبحاث الصوفية، وظهرت تعاليم القوم ونظرياتهم التي تواضعوا عليها، وأخذت هذه الأبحاث تنمو وتتزايد كلما مر عليها الزمن، وبمقدار ما اقتبسه القوم من المحيط العلمي الذي يعيشون فيه تطورت هذه الأبحاث والنظريات. غير أن الصوفية تأثروا بالفلاسفة أكثر من تأثرهم بغيرهم، وأخذوا من الفكر الفلسفي كثيرا من النظريات الفلسفية التي يتنافي بعضها مع الدين، بل وكون بعض المتصوفة لأنفسهم فلسفات خاصة، وأوغلوا في ذلك حتى أصبحنا نرى بعضا منهم أشبه بالفلاسفة منهم بالمتصوفة.
وكان لبعض هؤلاء المتصوفة فلسفات لا تتفق ومباديء الشريعة، مما أثار عليهم جمهور أهل السنة إلى حد أن رموهم بالكفر والزندقة، ومن
٢ كشف الظنون ح ١ ص١٥٠.