"مرج البحرين " بحر الهيولى الجسمانية الذي هو الملح الأجاج، وبحر الروح المجرد الذي هو العذب الفرات "يلتقيان" في الوجود الإنساني، "بينهما برزخ " هو النفس الحيوانية التي ليست في صفاء الروح المجردة ولطافتها، ولا في كثرة الأجساد الهيولانية وكثافتها "لايبغيان" لا يتجاوز أحدهما حده فيغلب على الآخر بخاصيته، فلا الروح يجرد البدن ويخرج به ويجعله من جنسه، ولا البدن يجسد الروح ويجعله ماديا.. سبحان خالق الخلق القادر على ما يشاء"١.
كذلك نرى ابن عربي يتأثر في تفسيره للقرآن الكريم بنظرية
وحدة الوجود التي هي أهم النظريات التي بنى عليها تصوفه، فتراه في كثير من الأحيان يشرح الآيات على وفق هذه النظرية حتى أنه ليخرج بالآية عن مدلولها الذي أراده الله تعالى منها!!.
فمثلا: عندما تعرض لقوله تعالى في أول سورة النساء ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ..﴾ الآية، يقول ما نصه: "اتقوا ربكم" اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم- وهو ربكم- وقاية لكم، فإن الأمر ذم وحمد فكونوا وقايته في الذم، واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين"٢.
وعند تفسيره لقوله تعالى في الآيتين (٢٩، ٣٠) من سورة الفجر: ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ يقول ما نصه:
"... وادخلي جنتي التي هي ستري، وليست جنتي سواك، فأنت تسترني بذاتك الإنسانية، فلا أعرف إلا بك، كما أنك لا تكون

١ تفسير أبن عربي ج ص ٣٨٠ من النسخة الأميرية ١٢٨٣هـ.
٢ النصوص ج ١ ص ٥٠


الصفحة التالية
Icon