والصرف، وما يتصل بهما إن له لقدماً راسخة في مختلف العلوم لكنّ علوم العربية كانت تُمَثِّلُ التخصُّص الدقيق الذي تأكد فيه رسوخه وأحاط به معرفة وفهماً، لذلك خصه بالتأليف والشرح والتقييد على أمهات المصادر والأصول، إسعافاً للدارسين، وإثراءً لجوانب من هذا العلم بالتحقيق المستقصي والبحث الموفّي لما بدأه السلف من أئمة هذا الشأن، وقد أراد أن يختم نشاطه العلمي في آخر أيّامِه بمؤلف يجمع فيه ما كان حصله في رحلته الطويلة مع الدرس والمراجعة فكان هذا الكتاب الموسوم بتفسير الكتاب العزيز وإعرابه الذي شرع في إملائه في الأيام الأخيرة من حياته، وسلك فيه النهج الوسط مُتحامياً الإطناب المُمِلّ والإيجاز المخل، لكنَّ القدر لم يُمْهل ابن أبي الربيع كثيراً من الوقت ليتَسنَّى له إتمام هذا التفسير بل عاقته المنية وهو مازال يملي على طلابه ما أعدّهُ من تفسير وبيان وإعراب على آية المائدة (١٠٩) :﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ﴾ فرحم الله ابن أبي الربيع وأجزله مثوبته.
أما العمل في هذا السفر من تفسير الكتاب العزيز وإعرابه فيتلخص فيما يلي:
أولا: التعريف بمؤلفه تعريفاً موجزاً امتدّ إلى شيوخه وما حمله ورواه عنهم، أمّا تلاميذه فقد اقتصر البحثُ على بعض المشاهير من تلاميذه، لأنَّ العدد الحاصر لطلابه ليس بُمِتَأت جمعُهُ، فعالم تمتدُّ حلقته للدرس والإقراء واِلإجازة المروية أكثر من نصف قرن، وفي مدينتين من أعظم المدن الأندلسية، ويقصده أفواج الدارسين من الأندلس والمغرب يتعذر حصر طلابه بعد فقد الكثير من المصادر وكتب الفهارس والبرامج التي يظن أن بها الجمع الغفير من طلابه الذين لم يُهتد إليهم بعد، ولذلك فما ذكر له في دراسة كتابه الملخص في ضبط قوانين العربية عددٌ تقريبي، وكذا ما توصل إليه الزميل الدكتور عياد الثبيتي فيما أعدّه على كتاب البسيط هو عدد تقريبي أيضاً وليس حاصراً لهم. وقد كان في ذكر ما سبق في هذين الكتابين غُنيَة عن هذا التّعريف لولا خشية أن يقع هذا البحث بين أيدي من لم يكن لديهم الكتابان السابقان، فيكون في ذلك نقصٌ بالغرض الذي يَهدِفُ إليه هذا التعريف.