"سواء" فلما أرادوا أن يضعوا الإنذار وعدم الإنذار موضع ذلك (أَأَنْذَرتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُم) قلبُوا وجعلُوا المخبر عنه خبراً لأنَّ الجملة لا تقعُ موقع المبتدأ وتقع موقع الخبر.
فإن قلت: قد جاء: "الحمدُ لِلَّهِ تَمْلأ الميزانَ.. " وما أشْبَهَ هذا.
قلت: الحمدُ لِلَّهِ هُنا هو المخبرُ عنهُ وليست جملة وُضِعت موضع المخبر عنه كما في (أأنذرتهم أمْ لَمْ تنذرهم).
ومن قال: إنّ "أأنذرتهم" في موضع المبتدأ و"سَوَاءٌ" خبر فقد قال ما لا نظير له. وكذلك من قال: "إنَّ أأنذرتَهُم" فاعل بـ"سَواء" و"سواء" خبر "إنّ مقدمٌ فقد أخطأ، لأنَّ الجملة لا تقع موقع الفاعل فلَيْسَ في هذا إلا ما ذكرته مِنْ جعل الخبر مُبتدأ وجعل المخبر عنه خبراً على جَهِةِ الاتساع، فتكون بمنزلة: إنْ خْيراً مِنك زَيدٌ وانْ مِثْلَك عمروٌ، ولمَّا لم يكن الخبرُ يحتاجُ إلى ضمير يعود إليه من المبتدأ لم يكن في هذه الجملة ضميرٌ يعودُ إلى "سواء"، لأنَّ الإِنذار وعدم الإنذار هو المبتدأ في الأصل و"سَواءٌ عَلَيهم " هو الخبر في الأصل فلا يحتاجُ "سَواء" إلى ضمير يعود إليه من المبتدأ، وهذا بَيّن.. (٣٦).
ترجيح العطف على التوهم:
أورد ابن أبي الربيع وجهين من الإِعراب للفعل المضارع المقرون بالفاء "فَتكُونا" من الآية الكريمة: (ولاَ تَقْرَبَا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) (١) وَرَجَّحَ النَّصبَ عَطْفاً على التَّوهِمّ على العطف بالجزم، وَوَجَّه النَّصب في الآية، على أنَّه بحرف أنْ مُضمرة لا بالفاء، ومما قاله هنا: (.. فقوله "فتكونا" منصوبٌ بالفاءِ في جواب النّهي كما تقول: لا تَدْنُ من الأسَدِ فَيَأْكُلكَ، والعطف في هذا الموضع جائز (٢)، ويكون مثل قول امرئ القيس:
فَقُلْتُ له:
صَوِّبْ ولا تجهدنه | فيُذْرِكَ من أخرى القطاه فتزلْقٍ |
(٢) يريد العطف بالجزم على "تقربا" وله استشهد ببيت امرئ القيس.