مبتدأ والمخبر عنه خبراً على جهة الاتِّساع، فيكون بمنزلة: إنَّ خيراً منك زيدٌ، وإنّ مثلك عمرو. (٣٦).
مجيء مِنْ لبيان الجنس عند الزمخشري وَردّ ابن أبي الربيع ذلك
ذهب الزمخشري إلى أنّ "مِنْ " في قوله تعالى: (وَأَنزَلَ مِنَ السَّماء مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ) ١ تُفِيدُ التّبعْيض، وقد تكُونُ لِلْبَيان، كَقَوْلِكَ: أنفقت مِن الدَّراهم ألفاً٢.
ولم يرتض ابن أبي الربيع معنى البيان في "مِنْ " وأثبت لها معنى التبعيض، وزاد ابتداء الغاية، واستند فيما ذهب إليه في ابتداء الغاية إلى سيبويه وأبي علي الفارسي، ومما قاله في المسألة:
(.. وجاء بعض المتأخرين وقال في "مِنْ " هنا إنها للبيان، واسْتَدَلَّ بقولهم: أنفقت من الدَّراهم ألفاً، لا فرق بينه وبين الآية.
التبعيض فيها هو البيّن، ولم يذكر سيبويه ولا أبو علي في "مِنْ " أَنَّها توجد لِلْبيان، وإنما هي موجودة لابتداء الغاية أو للتبعيض٣، ومَنْ قال: إنّها تكون للبيان اسْتَدَلّ بقوله سبحانه: (فاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ) ٤وهذا التبعيض فيه بينّ، لأنَّ الوثن لا يجتنب فيه إلاّ العبادة والتعظيم وهذا هو الرّجس، وأمّا أَنْ يؤخذ الوثن إذا كان ذهباً أو فضة فيعمل به ما يجوز أن يعمل فلا يجتنب، وهذا ليس برجس. ٥ (٩٥).
٢ينظر الكشاف ١/ ٢٣٥.
٣ ينظر الكتاب ٤/ ٢٢٤-٢٢٥، والإيضاح ٢٥١.
٤ سورة الحج آية: ٣٠.
٥ هذا التخريج الذي أورده ابن أبى الربيع لا يمنع مجيء من لبيان الجنس، وكون سيبويه أيقل به لا يلزم منه النفي لهذا المعنى فقد ذهب إليه غير واحد من العلماء كالهروي في الأزهية ٢٣٣، وابن مالك في شرح التسهيل ٣/١٣٤.