قال في توجيه القراءة الشاذة في قوله تعالى: (أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ) قُرىءَ في الشّاذّ (أنذرتهم) وهو على حذف همزة الاستفهام، اسْتغنوا عنها بأم، لأنَّ أم طالبة بالاسْتفهام، ثم ثَقُلَ اجتماع الهمزتين، وهذا لا يَكادُ يُعْرَفُ، ولم يجئ في السبع١. وقال في توجيه قراءة (غِشَاوَة) من قوله تعالى: (عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ) ٢ (.. لم يقرأ هذا في السّبع إلاَّ بالرّفع، وقُرِىءَ في غير السبع بنصب "غَشِاوَة " ورُوِيَ ذلك عن عاصم في روايته المشهورة عنه لها وجه، وهو أن يكون منصوباً بإضمار فعل دَلّ عليه (وخَتَمَ) ٣، لأنَّ الختم في القلب وَالسّمع نظير جعل الغشاوة على العين، فيكون هذا بمنزلة قول امرئ القيس:
… … … …... يُحَلّين ياقوتاً وشذراً مُفَقَّرا
وَرَيَحَ سَناً في حِقِّهِ حِمَيريةٍ... … … … …
المعنى: وُ يضَمّخْنَ ريح سنا، وحذف يضمخْن؛ لأنَّ ما قبله وهو يُحَيّن يَدُلُّ عليه.
وجاء في غير السّبع "غَشْوَةٌ " والمعنى تغطية، وهو مصدر. و"غُشاوة" يضم العين، وبالعين غير المعجمة. والواو في عشاوة أصل، لأنّهم قالوا: عشا يعشو، قال:
متى تأته تعشو إلى ضَوْءِ نارِه... تجد.
وأمَّا مَنْ قَرَأَهُ بالغَيْنِ فالواو مُنْقلبةٌ عَنْ يَاءٍ، لأنّهم قالوا: الغشيان. وقالوا: غَشيَة وقُرىءَ "غِشْوَةَ "بكسرِ الغين والواو منقلبة عَنْ ياء، وهذه قراءاتٌ لم تثبت في السبع، والثابت في السَّبع (غِشاوة) بكسر الغين وفتح الواو ورفع التاء. وفِعالة بكسر أوّله يأتي في المصادر إذا كان فيها ولاية، نحو الإِمارة، والحياكة، والكتابة، لأنَّ في هذه كلّها شبهاً بالولاية. ٢٩- ٣٠.
٢ سورة البقرة آية: ٧.
٣ينظر التذكرة في القراءات لابن غليون ٣٠٩/٢، والمحرر الوجيز ١/ ١٥٥-١٥٦