الفعلُ يَصِلُ بنفسِهِ، وكذلِكَ في باب الاشْتِغالِ لابُدَّ للفعل أنْ يصِلَ بنفسِهِ، لأنَّ حذْفَ الفعلِ الواصِلِ بحرف الجرِّ قليلٌ، لأنَّهُ لَيْسَ بقُوّةِ ما يَصِلُ بنفْسِهِ، ولا يَتصرَّفونَ لا الضّعيفِ تَصَرُّفهم في القويِّ من الإضْمارِ، لأنّهُم يقَولُون: بمَنْ تَمرّ؟ وبمَنْ مَررْتَ؟ فَيقولُ المسؤولُ: بزيدٍ، وهو على تقدير: مررْتُ بزيدٍ، لأنَّ هَذا وإن كانْ محذوفاً كأنَّهُ ظاهر، لأنّهُ مَكْنُونُ في السُّؤالِ، وَلَيْسَ هذا بمنزلة ما اسْتعملته الأحوال، ولا بِمْنزلَةِ ما حُذِفَ ليُفسّرِ.
وأمّا/ قوله تعالى: (فِى تِسْعِ آيَاتٍ إلَى فِرْعَوْنَ) ١ فَقَولُهُ "في تِسْعِ آياتٍ " خبرٌ (٣) لمبتدأٍ محذوفٍ، أيْ هذه الآيات في تِسْعِ آياتٍ، فَقدْ نزّلَ منزلة قد أرْسَلْتُ أو تُرْسِلُ، فجازَ حذفُ الفعلِ هُنا وإنْ كانَ لا يَصلُ إلاَّ بحرفِ الجرّ، لأنَّهُ بمنزلة: بمَنْ مَرَرْت؟ فَتَقُولُ: بزيدٍ، ومعَ هذا كُلِّهِ لا يُنكَرُ حذفُ الفعلِ الواصلِ بحرف الجر، لكَنّه قليلٌ ولا يُحملُ عَليه ما قُدِّر على غيرِهِ.
والباء: مَعْناها الإلصاق ٢، وكانَ أصْلُها أنْ تكونَ مَفْتُوحةً لكِنّها كُسِرَت ليوافقَ لفظُها عَملَها ووضْعَها، فَعَمَلُها الجرُّ وَوَضْعُها أنْ تكُوَن مَوْصُولَةً، وَكُلَّ حَرْفٍ مَوصُولٍ فَهُو خَافِضٌ، وأمَّا كاف التّشبيه فقد تُوجَدُ اسماً، لَيْسَ من شَرْطِ الاسْمِ أنْ يكُونَ خَافِضاً، فَلَيْسَتِ الكَافُ مُلَازِمةً أن تكُون مِن جِنْس ما تَخفِض..
وأمَّا لاَمُ الجرِّ فَكُسِرتْ لِيُفَرّقَ بَيْنَها وبيْنَ لَامِ الابْتِداءِ في أرْبَعَةِ مَواطِنٍ:
أحَدُهَا: الأسماء المبنيان، نحو: لَهذا زيدٌ.
الثاني: الأسماء المقصوراتُ، نحو: لموسى عمرو.
الثالث: الأسماء المنقُوصَاتُ للقاضي زيدٌ.
الرابع: عند الِإضافةِ إلى ياء المتكَلِّم، نحو: لِكأبي عمرو.

١سورة النمل آية: ١٢.
٢ينظر الكتاب ٤/ ٢١٧.


الصفحة التالية
Icon