وقَولُ منَ قالَ: إنَّه وَصْفٌ بالمصْدَرِ (١) ١، فيه بُعْدٌ، إذ لو كان كذلك لم يُثنّ ولم يُجْمَعْ، وَمَنْ ثنّى مثل هذا في المصَادر ثنَّاهُ على القياسِ في فعل أفعل، وذلِكَ نحو: كَفٍّ وَأكفَّ، فكونُهُ قَدْ جُمِعَ على أرْباب يَدُلُّ على بُعْدِ هذا القول.
وُيقالُ: رَبّهُ يَرُبّه إذا مَلكهُ، ويقال: رَبَّهُ يَرُبّهُ إذا أصْلُحَه. وًيصْلُحُ في رَبَّ هُنا أنْ يكُون معناه الصّلاح ومعناه الملك، لأنّهُ سُبْحانُهُ الّذي يَمْلِكُ العَالمَ والّذي يُصْلحُ العالم.
وقد نُقِلَ: "لأن يَرُبّني رجُلٌ من قُرَيشٍ خَيرٌ مِنْ أنْ يُرُبَّنِي رَجلٌ من هوازن" ٢.
فَيُحتَمل الملكُ ويُحتَمَلُ الصّلاح، ويكُونُ صِفةً، وَيَجوزُ أن يَكُونَ بدلاً لأنَّهُ اسْتُعْمِلَ
استِعْمَالَ الأسماء.
والرَّبُّ بالإضافةِ مُختَصٌّ به تَعالى، وَإِذا أطْلَقُوهُ على غيرِهِ أطْلَقُوهُ مُقيّداً، نحو: رَبِّ الدّارِ، وَرَبّ الأرْضِ، وما أشبَهَ ذَلِكَ، وُيطْلَقُ عليه تعالى مُطْلَقاً ومُقيَداً ومضافاً.
(العَاَلمِين) : فَاعَل بفتح العين لا يكُونُ في الصّفاتِ وَيَكُونُ في الأسماء قليلاً، وأكثر ما يوجد هذا البناءُ في الفعل إذا أردت أنَّهُ فُعِلَ بكَ مثل ما فعَلْتَهُ به، نحو: ضَارَبَني زيدٌ وضارَبْتُ زيداً، وقاتَلْتُهُ. وَقَدْ يأتي على غَيْرِ ذلك، قالوا: عَافَاكَ اللَّهُ، وَدَاينْت زَيْداً، وهذا قَليلٌ.
وإذا صَحّ ما ذَكْرتُهُ فالْعَالَمُ اسْمٌ لا صِفَةٌ، وَهُوَ اسْمٌ لِكلِّ مَخْلُوقٍ، لأنَّ المخْلُوقَ يَدُلًّ على خالقِهِ، فَقَدْ صارَ عَلامَةً تَدُلُّ عَلَيْهِ سُبْحانُهُ، فاشْتِقاقُهُ مِنْ هَذا (٣) ٣. وَقَدْ قيلَ: إنَّهُ
٢القائل صفوان بن أمية يوم حنين لأخيه أبى سفيان، حين قال أبو سفيان: غلبت- والله- هوازن.. فأجابه صفوان بفيك الكثك، لأن يربني رَجل.. وقريب من هذا ما قاله ابن عباس في ضأن ابن الزبير وعبد الملك بن مروان: وإن كان لابدّ لأن يَربُّني رَجل من بني عمى أحبّ إلىّ من أن يربّني غيره. ينظر فتح الباري ٨/ ٣٢٦، والمحرر الوجيز ١/ ٠٤ ا-١٠٥، وتهذيب اللغة المضعف من حرت الراء١٥/ ٧٦ ا_٨ ١٧.
٣يريد أنه مُشتق من العلامة، لأنّ المراد بالعالم جميع ما خلق الله، لظهورهم وظهور أثر الصنعة فيهم. ينظر: اشتقاق أسماء الله ٥٨-٥٩، والمحرر الوجيز ١/ ١٠٥، والفريد في إعراب القرآن المجيد ١/ ١٦٥.