قلت: الصبر: هو حبس القلب على حكم الرب، فيحتمل أن يُراد به ظاهره، أو يراد به هنا الصوم، لأن فيه الصبر عن الشهوات. والخشوع فى الجوارح: سكونها وذُلها، والخضوع في القلب: انقياده لحكم الرب.
يقول الحق جلّ جلاله: يا مَن ابتلي بالرئاسة والجاه، واستكبر عن الانقياد لأحكام الله التي جاءت بها الرسل من عند الله، استعن على نفسك بِالصَّبْرِ على قطع المألوفات، وترك الحظوظ والشهوات، وأصل فروعها حب الرئاسة والجاه، فمن صبر على تركهما فاز برضوان الله. وفي الحديث: «وفي الصبر على ما تكره خير كثير». وقال الشاعر:
والصَّبْرُ كالصْبرِ مُرٌ في مذَاقَتِه | لَكِنْ عَواقِبُه أحلَى مِن العسلِ |
الذين يتيقنون أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ فيتنعمون بالنظر إلى وجهه الكريم، ويتيقنون أيضاً أنهم راجعون إلى ربهم بالبعث والحشر للثواب والعقاب، وإنما عبَّر الحق تعالى هنا بالظن في موضع اليقين إبقاء على المذنبين، وتوفراً على العاصين، الذين ليس لهم صفاء اليقين إذ لو ذكر اليقين صرفاً لخرجوا من الجملة، فسبحانه من رب حليم، وجواد كريم. اللهم امنن علينا بصفاء المعرفة واليقين، حتى لا يختلج قلوبنا وَهْمٌ ولا ريب، يا رب العالمين.
الإشارة: يا من رام الدخول إلى حضرة الله، تذلل وتواضع لأولياء الله، وتجرّع الصبر في ذلك كي يدخلوك حضرة الله، كما قال القائل:
تَذللْ لِمنْ تَهْوَى فَلَيْسَ الْهَوى سَهْلُ «٢» | إِذَا رَضِيَ المحبوبُ صَحّ لَكَ الوَصْلُ |
(١) أي: الأكل والجماع. قاله الشهاب الخفاجي فى حاشيته على البيضاوي ٤٥١/ ٢.
(٢) أرى أن يكون: (تذلل لمن تهوى فما فى الهوى سهل).
(٢) أرى أن يكون: (تذلل لمن تهوى فما فى الهوى سهل).