وعلى ذلك: فقد اعتمد علماء القرآن الكريم التفسير الصوفي الإشارى بشروط أربعة لقبوله:
أولها: عدم منافاته لمقتضى اللغة ولظاهر النظم القرآنى الكريم.
وثانيها: أن يكون له شاهد شرعى يؤيده من الكتاب أو السنّة أو سائر الأصول المعتمدة.
وثالثها: ألّا يكون له معارض شرعى قطعى.
ورابعها: ألّا يدعى أن هذا التفسير الإشارى هو وحده المراد دون الظاهر، بل لا بد من إقرار التفسير العبارى الظاهر أولا ثم الأخذ بالمعنى الإشارى «١».
هذا: ومن المفسرين الأعلام من جرد همته للتفسير الظاهر- كالزمخشرى مثلا- ولم يعن بالتفسير الإشارى، وليس كذلك البيضاوي، خلافا لما ذكره الدكتور الذهبي، حيث قرنه بالزمخشرى فى الاقتصار على الظاهر. وقد حققنا الاتجاه الصوفي عند القاضي البيضاوي فى بحث مستقل «٢».
ومن أعلام المفسرين من صرف جل وكده للتفسير الظاهر، مع تعرضه للجانب الإشارى بقدر، كما نراه فى تفاسير الإمام الفخر الرازي والإمامين النيسابورى والآلوسى- رضى الله تعالى عنهم أجمعين.
ومنهم من غلب عليه الطابع الإشارى، ولم يحفل بالتفسير إلا قليلا، كالإمام سهل بن عبد الله التستري (ت سنة ٢٠٠ هـ) رضى الله تعالى عنه، وتفسيره وجيز جليل القدر.
ومنهم من اقتصر على الجانب الإشارى تماما كالإمام أبى عبد الرحمن السلمى (ت ٤١٢ هـ) - رضوان الله عليه- فى كتابه: (حقائق التفسير).
ومنهم من جمع بين التفسير الظاهر وبين التفسير الإشارى، فى توازن بينهما، وإشباع علمى فى كلا الجانبين، فجاء تفسيره متكاملا بالجواهر والدرر، كالعلامة إسماعيل حقى الإسلامبولى الحنفي (ت ١١٣٧ هـ) رضى الله عنه فى تفسيره (روح البيان)، وكالإمام العلامة العارف بالله تعالى الشيخ أحمد بن عجيبة الحسنى (١١٦٠- ١٢٢٤ هـ) رضى الله عنه صاحب هذا التفسير الفريد المسمى (البحر المديد في تفسير القرآن المجيد)، وهو الذي نقدم له بهذه السطور، فقد جاء هذا التفسير آية رائعة فى التفسير القرآنى، الجامع بين تفسير أهل الظاهر بمعطياته وملكاته وأدواته، وإشارة أهل الباطن- بالمدلول السنّى للباطن- مستوفيا ضوابطه وشروطه، حافلا بأزهاره وثماره، حتى إنه ليعد موسوعة قرآنية فى الحقائق وعلم السلوك.
وأسأل الله- عزّ وجل- إِنَّ يتقبل هذا العمل، وأن يحشرنا به فى زمرة أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.
وصلى الله تعالى على أعظم رسله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
أ. د. جودة محمد أبو اليزيد المهدى عميد كلية القرآن الكريم بطنطا وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

(١) انظر: المرجع الأخير مع زيادة تحرير فى العبارة: ٣/ ٤٣.
(٢) حوليه كلية أصول الدين والدعوة الاسلامية بطنطا: العدد الثالث سنة ١٤١٢ هـ سنة ١٩٩١ م ص ٧- ٥٧.


الصفحة التالية
Icon