وقال بعضهم: طالبُ الدنيا كشارب ماءِ البحر، كلما زاد شربه ازداد عطشه. هـ. وقال صلى الله عليه وسلم: «من أُشرب قلبه حُبَ الدنيا التاط «١» منها بثلاث: بشغل لا ينفد عناه، وأمل لا يبلغ منتهاه، وحرص لا يدرك مداه» وقال عيسى عليه السلام: الدنيا مزرعة لإبليس، وأهلها حراث له. هـ. وقال على رضي الله عنه: الدنيا كالحية: لَيِّن مسها، قاتل سمها، فكن احذر ما تكونُ منها، أَسَرَّ ما تكون بها فإن من سكن منها إلى إيناس أزاله عنها إيحاش.
وقال عليه الصلاة والسلام: «مِنْ هوان الدنيا على الله أنه لا يُعصى إلا فيها، ولا ينال ما عنده إلا بتركها».
وقال سيدنا علي- كرّم الله وجهه-: أول الدنيا عناء، وآخرها فناء، حلالها حساب، وحرامها عقاب، ومتشابهها عتاب، من استغنى فيها فُتن، ومن افتقر فيها حزن. هـ. وقيل: الدنيا تُقبل إقبال الطالب، وتُدبر إدبار الهارب، وتصل وصال الملول، وتُفارق فراق العجول، خيرها يسير، وعمرها قصير، ولذاتها فانية، وتبعاتها باقية.
وقال عيسى عليه السلام: تعملون للدنيا، وأنتم تُرزقون فيها بغير عمل، ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل. هـ. وقيل: أوحى الله إلى الدنيا: مَنْ خدَمني فاخدِميه، ومن خدمك فاستخدِميه.
وكان عمرُ بنُ عبد العزيز يتمثل بهذه الأبيات «٢» :
نهارك يا مغرورُ سهوٌ وغفلةٌ | وليلُكَ نومٌ، والأسَى لك لازمٌ |
تُسَرُّ بما يفْنَى، وتفرحُ بالمُنَى | كما سُرَّ باللذَّات في النومِ حالمُ |
وشغلُك فيها سوف تكرَه غَبَّه | كذلك في الدنيا تَعيِشُ البهائمُ |
هي الدارُ دَارُ الأذى والقذى | ودارُ الفناءِ ودارُ الْغِيَرْ |
فلو نِلْتَها بحذافيرها | لمِتَّ ولم تقض منها الوطرْ |
أيا مَنْ يؤملُ طولَ الخلودِ | وطولُ الخلودِ عليه ضررْ |
إذا ما كبِرْتَ وفات الشبَابُ | فلا خيرَ في العيش بعد الكبر |
(٢) الأبيات لمسعر بن كدام، كما فى حلية الأولياء ٧/ ٢٢٠
(٣) وهو أبو العتاهية.