وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ
[سورة آل عمران (٣) : آية ٤]
مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٤)
من قبله هادياً لمن كلف باتباعها من الأنام، أو للجميع، إذا كان شرعُ منْ قبلنا شرعاً لنا- معشر أهل الإسلام-، ثم ختم الوحي بإنزال الْفُرْقانَ، وكلّف بالإيمان به الإنس والجان، فرَّق به بين الحق والباطل، واندفع به ظلمة كل كافر وجاهل وقدَّم ذكره على الكتب لعظم شرفه، وختم به آخراً لتأخر نزوله.
والله تعالى أعلم.
الإشارة: لمّا أراد الحق جل جلاله إن يشير إلى وحدة الذات وظهور أنوار الصفات، قَدَّم قبل ذلك رموزاً وإشارات، لا يفهمها إلا من غاص في قاموس بحر الذات، وغرق في تيار الصفات، فيستخرج بفكرته من يواقيت العلوم وغوامض الفهوم، ما تحار فيه الأذهان، وتكِلُّ عنه عبارةُ اللسان، فحينئذ يفهم دقائق الرموز وأسرار الإشارات، ويطلع على أسرار الذات وأنوار الصفات، ويفهم أسرار الكتب السماوية، وما احتوت عليه من العلوم اللدنية، والمواهب الربانية، ويشرق في قلبه أنوار الفرقان، حتى يرتقي إلى تحقيق أهل الشهود والعيان. جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.
ثم هدد من كفر بالفرقان، بعد وضوح سواطع البرهان، فقال:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا...
قلت: الانتقام والنقمة: عقوبة المجرم. وفعله: نقم بكسر القاف وفتحها.
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ المنزلة على نبيه أو على سائر أنبيائه، أو الآيات الدالة على وحدانيته، لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ يوم يظهر نفوذ الوعد والوعيد، فينتقم الله فيه من المجرمين، ويتعطف على عباده المؤمنين، فإن اللَّهُ عَزِيزٌ لا يغلبه غالب، ولا يفُوته هارب، ذُو انْتِقامٍ كبير ولطف كثير. لطف الله بنا وبجميع المسلمين. آمين.
الإشارة: ظهور أولياء الله لطف من آيات الله، فمن كفر بهم حُرم بركتهم، وبقي في عذاب الحجاب وسوء الحساب، تظهر عليه النقمة والمحنة، حين يرفع الله المقربين في أعلى عليين، ويكون الغافلون مع عوام المسلمين، (ذلك يوم التغابن). والله تعالى أعلم.
ولما وصف الحق جل جلاله نفسه بالوحدانية والحياة والقيومية المقتضية للغنى المطلق، وصف نفسه أيضا بالعلم المحيط والقدرة النافذة، فقال:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٥ الى ٦]
إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦)


الصفحة التالية
Icon