علمه أو حاله بانقطاع نَسْله الروحاني، ولا شك في فضل بقاء النسل الحسيّ أو المعنوي، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «إِذَا مَاتَ العبدُ انْقَطَعَ عَمَلُه إِلاَّ مَن ثَلاثٍَ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ وَلَدٍ صالح يدعُو لَهُ، أوْ عِلَم يُنْتَفَعُ به».
وشمل الولد البشري والروحاني، وقال عليه الصلاة والسلام لسيدنا علي- كَرّم الله وجهه-: «لأنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لكَ مِنْ حُمْر النَعَمِ».
وقال بعض الشعراء «١» :
وَالمَرْءُ في مِيزانِه أتْباعُهُ | فاقْدرْ إِذَنُ قَدْرَ النبي مُحمَّد |
ثم ذكر اصطفائية مريم بالخصوص بعد العموم فقال:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]
وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (٤٢) يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)
يقول الحق جلّ جلاله: واذكر إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ أي: جبريل، أو جماعة، كلمتها شفاهاً كرامةً لها.
وفيه إثبات كرامة الأولياء، وليست نبية للإجماع على أنه تعالى لم يستنبئ امرأة لقوله: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فقالوا لها: يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ لخدمة بيته، ولم يقبل قبلك أنثى قط، وفرغك لعبادته، وأغناك برزقه عن رزق غيره، وَطَهَّرَكِ من الأخلاق الذميمة، ومما يستقذر من النساء، وَاصْطَفاكِ ثانياً بهدايته لك، وتخصيصك بتكليم الملائكة، وبالبشارة بالولد من غير أب، فقد اصطفاك عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ. «٢»
(١) وهو الشيخ البوصيرى.
(٢) انظر فى مسألة نبوة مريم: فتح الباري ٦/ ٥٤٢.
(٢) انظر فى مسألة نبوة مريم: فتح الباري ٦/ ٥٤٢.