إلى أعدائنا، وبالغوا، حتى دخل النبي ﷺ ولبس لأمته «١». فلما رأوه قد لبس سلاحه ندموا، وقالوا: بئس ما صنعنا، نشير على النبي ﷺ والوحي يأتيه، فقاموا واعتذروا إليه. وقالوا: اصنع ما رأيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَنْبَغِي لنَبِي أَنْ يلبَس لأمَتَهُ فيَضَعَهَا حتَى يُقاتِلَ».
فخرج بعد صلاة الجمعة، وأصبح بشعب من أُحُد، يوم السبت للنصف من شوال، سنة ثلاث من الهجرة، ونزل في عدوة من الوادي، وجعله ظهره وعسكره إلى أحد، وسوى صفهم كما تقدم، وأمر عبد الله بن جبير على الرماة، وقال: انضحوا عنا بالنبل، لا يأتونا من خلفنا، فكان من أمر الله ما كان، على ما يأتي «٢».
وخرج مع النبي ﷺ في غزوة أحد زهاء ألف، ووعدهم النصر إن صبروا، فلما بلغوا الشواط- موضع- انخزل ابنُ أُبيّ في ثلاثمائة، وقال: علام نقتل أنفسنا! فتبعهم أبو جابر السلمي، فقال: أُنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم. فقال ابن أُبيّ: لو نعلم قتالاً لاتبعناكم، وهمت بنو حارثة وبنو سلمة بالانصراف معه، فثبتوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرهم نعمته بقوله: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وناصرهما، حيث عصمهما من اتباع المنافقين، قال جابر: (ما يسرنا أنها لم تنزل، لقوله: وَاللَّهُ وَلِيُّهُما) فبنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ لا على غيره، إذ لا ناصر غيره.
الإشارة: من شأن شيوخ التربية أن يَدُلُّوا المريدين على محاربة النفوس ومقاتلتها، ويطلعوهم على دسائسها ومخادعتها، ليهيئوا لهم بذلك مقاعد لقتالها، والله مطلع على إخلاصهم ونياتهم، فمنهم من يمل ويكل، فيرجع إلى وطن عوائده، ومنهم من يصبر حتى يفوز بالغنيمة العظمى والسعادة القصوى، وفي ذلك يقول القائل:
وبَالَغَوا في الجدِّ حتى مَلَّ أكثرهُم | وعَانَقَ المجْدَ مَنْ وَافَى ومَنْ صَبَرَا |
ثم ذكّر أهل أحد بما وقع لهم يوم بدر من النصر والظفر مع قلتهم ليثبتوا، فقال:
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٢٣]
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣)
(٢) عند تفسير قوله تعالى: «وما محمد إلا رسول».