ثم وصف أهلها من المتقين بأوصاف الكمال، فقال: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ أي: في حالتي الرخاء والشدة، وفي الأحوال كلها، كما هي حالة الأسخياء، قال صلّى الله عليه وسلم: «الجنَّةُ دَارُ الأسخياءِ». وقال أيضا:
«السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنَ اللهِ، قريبٌ مِنَ الجَنَّةِ، قَرِيبٌ من النَّاس، بَعِيدٌ من النَّارِ، والبَخيلُ بَعيدٌ من اللهِ، بَعِيدٌ مِنَ الجَنَّةِ، بَعِيدٌ من الناس، قَرِيبٌ من النَّارِ. ولجَاهلٌ سَخِيٌ أَحَبُ إلى اللهِ مِنَ العالمِ البخيل». وقال أيضا صلّى الله عليه وسلم: «السّخَاء شَجَرةٌ في الجنة، أغصانها في الدنيا، من تعلق بَغُصنٍ من أغْصَانِها قادَته إلى الجنَّةِ، والبخْلُ شَجرةٌ في النَّارِ، أغصَانُها في الدُّنيا، من تعلق ببعض من أغصانها قَادَته إلى النَّارِ».
وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ أي: الكافين عن إمضائه مع القدرة عليه، قال عليه الصلاة والسلام: «من كظم غيظا وهو يَقْدِرُ على إمْضَائِهِ مَلأَ اللهُ قَلْبَهُ أمْناً وإِيمَاناً».
وقال بعض الشعراء:
وَإذَا غَضِبْتَ فَكُنْ وَقُوراً كَاظِماً | لِلْغَيْظِ، تُبْصر مَا تَقُولُ وتَسْمَعُ |
فَكَفَى بِهِ شَرَفاً، تَصَبُّرُ سَاعَةٍ | يَرْضَى بِهَا عَنْكَ الإلَهُ ويَرْفَعُ «١» |
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ الذي أحسنوا فيما بينهم وبين الله، وفيما بينهم وبين عباد الله، و «أل» : يحتمل أن تكون للجنس، فيعم كل محسن، أو للعهد، فتكون الإشارة إلى من تقدم ذكرهم.
الإشارة: كل ما يُقوي مادة الحس فهو ربا لأنه يربى الحس ويقوي مادة الغفلة، فلا ينبغي لمريد أن يضاعفه ويتعاطى أسباب تكثيره، بل ينبغي أن يفر من موارده، وهي ثلاثة: مباشرة الحس، أو الفكر فيه، أو الكلام مع أهله