يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات، وترك بنات ثلاثًا، وأنا امرأته، وليس عندى ما أُنْفقُه عَليهنّ، وقد تَرَك أبُوهُن مالاً حسنًا، وهو عند سُويْدٍ وعَرْفَجَة، فَدَعاهُما النبي صلى الله عليه وسلم، فقالا: يا رسول الله ولَدُها لا يَركُب فَرسًا، ولا يَحْمِل سِلاَحًا، لا ينُكأ عَدُوًّا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «انْصَرِفُوا حتى أرى ما يُحدِثُ الله تعالى»، فانْصرَفُوا. فنزلت الآية. فأثبت الله لهن في الآية حقًا، ولم يبين كم هو- فأرسل النبي ﷺ إلى سُويد وعَرفجَة: «لا تُفرقا مِنْ مَال أوْسٍ شَيئًا، فَإنّ الله تعالى جَعَل لِبنَاتِه نَصِيبًا، ولم يبَّين كم هو حتى أنظُرَ ما يُنزل الله تعالى»، فأنزل الله تعالى بعدُ: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ.. إلى قوله... الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. فأرسل إليهما: «أن ادفعا إلى أم كحة الثُّمْن، وإلى بناته الثُّلثين، ولكما باقي المال».
الإشارة: كما جعل الله للنساء نصيبًا من الميراث الحسي جعل لهن نصيبًا من الميراث المعنوي، وهو السر، إن صحبتْ أهل السر، وكان لها أبو الروحانية، وهو الشيخ، فللرجال نصيب مما ترك لهم أشياخهم من سر الولاية، وللنساء كذلك على قدر ما سبق في القسمة الأزلية، قليلة كانت أو كثيرة، نصيبًا مفروضًا معينًا في علم الله وقدره، وقد سواهن الله تعالى مع الرجال في آية السير، فقال: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ إلى آخر الآية، فمَنْ صار منهن مع الرجال أدرك ما أدركوا. وبالله التوفيق.
ثم أمر الورثة بالإحسان إلى من حضر معهم القسمة، فقال:
[سورة النساء (٤) : آية ٨]
وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨)
قلت: الضمير في (منه) : يعود على المقسوم المفهوم من القسمة.
يقول الحق جلّ جلاله: وَإِذا حَضَرَ معكم في قسمة التركة ذَوو القرابة مِمَّنْ لا يرث، كالأخوال والخالات والعمات، وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ، فَارْزُقُوهُمْ أي: فأعطوهم شيئًا من المال المقسوم تطييبًا لقلوبهم.
فإن كان المال لغيركم، أو كان الورثة غيرَ بالغين، فقولوا لهم قَوْلًا مَعْرُوفاً، بأن تُعلموهم أن المال لغيرنا، ولو كان لنا لأعطيناكم، والله يرزقنا وإياكم.
واختلف في هذا الأمر، هل للندب- وهو المشهور- أو للوجوب ونسخ بآية المواريث؟ وقيل: لم يُنسخ، وهي مما تهاون الناس بها. والله تعالى أعلم.