الولد في ميراث الأم، وإن كان للقلب أخوة من الأنوار والأسرار يتقوى بهما فللروح من ميراث الحكمة السدس، والباقي كله للقدرة، ولا يعرف هذا إلا من حقق معرفة القدرة والحكمة، ذوقًا وكشفًا، وإلاَّ.. فليسلُم لأهل المعرفة.
والله تعالى أعلم.
ثم ذكر الحق تعالى حكمة تقسيم تركة الأب والابن على ما فرض، وأن ذلك لا يعلمه إلا هو، فقال:
آباؤُكُمْ...
يقول الحق جلّ جلاله: قد بينت لكم ما يرثُ الأبُ من ابنه، وما يرث الولدُ من أبيه، ولو وكلت ذلك إليكم لأفسدتم القسمة لأنكم لا تدرون أيهم أقرب نفعًا للأخر، هل الأب أقرب نفعًا لابنه، فتعطوه الميراث كله دون ولد الميت، أو الولد أقرب نفعًا لأبيه، من الأب لابنه، فتخصونه بالإرث، ففرضتُ ميراث الأب وميراث الولد، ولم نكل ذلك إليكم. فَرِيضَةً حاصلة مِنَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً بمصالح العباد حَكِيماً بما فرض وقدَّر.
وقال ابن عباس: لا تدرون أيهم أطوع لله عز وجل من الآباء والأبناء، وأرفعكم درجة يوم القيامة، لأن الله تعالى يشفع المؤمنين في بعضهم بعضًا، فيشفع الولد في والديه، إن كان أرفع درجة منهما، فيرفعهما الله إليه، ويشفع الوالدين في ولدهما، إن كانا أرفع درجة منه، فيرتفع إليهما لتقر بذلك أعينهما. هـ. بالمعنى.
الإشارة: الإنسان لا تقوم روحانيته إلا ببشريته، وبشريته إلا بروحانيته، فلا يدري أيهما أقرب له نفعًا، لأن البشرية محل للعبودية، والروحانية محل لشهود عظمة الربوبية، ولا بد للجمع بينهما، وكذلك الحس، لا يقوم إلا بالمعنى، والمعنى لا يقوم إلا بالحس، فلا تدري أيهما أقرب نفعًا لك أيها المريد، فتؤثره، وإن كانت المعاني هي المقصودة بالسير، لكن لا تقوم إلا بوجود الحس، فلا بد من ملاحظته.
وقال الورتجبي هنا ما نصه: أشكل الأمر من تلك الطائفتين، أيهم يبلغ درجة الولاية والمعرفة الموجبة مشاهدة الله وقربته، التي لو وقعت ذرة منها لأحد من هذه الأمة لينجو بشفاعته سبعون الفًا بغير حساب، أي: اخدموا آباءكم وارحموا أولادكم، فربما يخرج منهم صاحب الولاية، ليشفع لكم عند الله تعالى، وحكمة الإبهام هاهنا ليشمل الرحمة والشفقة على الجمهور، لتوقع ذلك الولي الصادق. هـ. قلت: فسر الآباء والأبناء بالحسيين، وتشمل الآية أيضًا الآباء والأبناء المعنويين والروحانيين. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon