يقول الحق جلّ جلاله: إن الإماء إذا تزوجن فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ، وهو الزنا، فعليهن نصف ما على الحرة من الحد، وهو خمسون، لأن حد البكر مائة. ويفهم منه أنها لا ترجم لأن الرجم لا يتبعض. وكذلك الذكور من العبيد عليهم نصف الحدود كلها، ولا رجم عليهم، وسمَى الحد عذابًا، كقوله: وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
الإشارة: بقدر ما يعلو المقام يُشدد العقاب، وبقدر ما يحصل من القرب يُطلَب الآداب، فليست المعصية في البعد كالمعصية في القرب، وليس يُطلب من البعيد ما يُطلب من القريب، وانظر إلى أزواج النبي ﷺ حيث قال تعالى لهن: يَا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ. وما ذلك إلا لحظوتهن وشدة قربهن من الله. ولذلك كان لا يدخل الحضرة إلا أهل الآداب والتهذيب، بعد التدريج والتدريب، وتأمل قضيةَ الجنيد، حيث قيل له في المنام: مثلُك لا يُرضى منه هذا، حيث خطر على قلبه الاعتراض على السائل، غير أن المقربين يعاتبون، ويردون إلى الحضرة، وأهلُ البُعد يزيدون بُعداً، ولكن لا يشعرون، والله تعالى أعلم.
ثم ذكر شرط تزوج الأمة لعادم الطَوْل، فقال:
ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ...
قلت: العنت: المشقة والضرر، ولا ضرر أعظم من مواقعة الإثم، ولا سيما بأفحش الفواحش وهو الزنا، (يريد الله ليبين لكم)، أي: لأن يُبين، واللام زائدة في المفعول، لتأكيد معنى الاستقبال اللازم للإرادة.
يقول الحق جلّ جلاله: ذلِكَ أي: نكاح الإماء إنما أبَحْتُهُ لمن خشي الوقوع في الزنا، الذي هو أقبح الفواحش، فنكاح الأمةُ، وإرقاق الولد يباع في الأسواق أخف من الزنا. وَأَنْ تَصْبِرُوا عن نكاحهن، مع التعفف عن الزنا، خَيْرٌ لَكُمْ لئلا يرق أولادكم. وعن أنس قال: سمعت النبي ﷺ يقول: «من أراد أن يَلْقَى اللهَ طَاهِرًا مُطَهَّرًا فَلْيَتَزَوَّج الْحَرائِر» وقال أبو هريرة: سمعته صلّى الله عليه وسلم يقول: «الحَرَائِر صَلاحُ البَيْتَ، والإماء هلاك البيت «١» ».