للأنصار: لا تنفقوا أموالكم، فإنا نخشى عليكم الفقر، وكتموا صفته- عليه الصلاة والسلام-. ووضع الظاهر موضع المضمر وكأنه يقول: وأعتدنا لهم، إشعارًا بأن مَن هذا شأنه فهو كافر بنعمة الله تعالى، ومن كفر بنعمة الله وأهانها استحق عذابًا مهينًا.
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ طلبا لمدحهم وخوفًا من ذمهم، وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، يتحرّون بإنفاقهم مراضية، فالشيطان قرينهم لا يفارقهم، وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً، فلمّا كان الشيطان قرينهم زين لهم التهالك على الأموال والرياء في الأعمال، وإنما أشرك أهل الرياء مع البخلاء في الوعيد من حيث إنهما طَرَفَا تفريط وإفراط، وهما سواء في القبح واستجلاب الذم.
وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ أي: لا ملامة عليهم ولا تبعة تحيق بهم لو أخلصوا الإيمان وأنفقوا مما رزقهم الكريم المنان. قال البيضاوي: وفيه تنبيه على أن المدعو إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يُجيب إليه احتياطاً، فكيف إذا تضمن المنافع. وإنما قدم الإيمان هاهنا وأخره في الآية الأخرى: لأن القصد بذكره هنا التخصيص، وثَم التقليل. هـ. وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً لا يخفى عليه شيء من أمورهم وقصدهم.
الإشارة: قال بعض الصوفية: (مِن أقبح كل قبيح صوفي شحيح)، فالصوفية العارفون- رضى الله عنهم- الذين هم صفوة العباد متخلقون بأضداد ما وسم به الحق- تعالى- أهل العناد، فهم يجودون بأنفسهم وما خصهم الله بهم من العلوم اللدنية والأسرار القدسية، على من يستحقه من أهل التخلية والتحلية، ويأمرون الناس بالسخاء ومكارم الأخلاق، ويتحدثون بما منحهم الملك الخلاق، ويظهرون الغنى بالله والاكتفاء به عن كل ما سواه، وإذا بذلوا أموالهم أعطوها لله وبالله ومن الله وإلى الله وابتغاء مرضاة الله، هجم عليهم اليقين، وتمكنوا من شهود رب العالمين، فلا يقرب ساحتهم الشيطان، ولا يرون في الدارين إلا الملك الديان، تحبهم ملائكة الرحمن، ويحن إليهم الأنس والجان. نفعنا الله بمحبتهم، وخرطنا في مسلكهم، آمين.
ثم رغّب الحق- تعالى- فى الإنفاق مع الإخلاص، الذي هو عنوان الدين الخاص، فقال:
[سورة النساء (٤) : آية ٤٠]
إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠)
قلت: الذرة: النملة الصغيرة الحمراء. وتطلق على جزء من أجزاء الهباء. ومن نَصَب (حسنة) فَخَبَرُ كان.
وأُنث الضمير باعتبار الخبر. أو لإضافة مثقال إلى ذرة، فاكتسب التأنيث، ومن رفع فهي تامة، وحذف نونها على غير قياس، تشبيهًا لها بحروف العلة. وضاعف وضّعف بمعنى واحد.