وكحل، وزرنيخ، وشب ونورة، وجص، وجوهر، إلا منخالة الذهب والفضة والرصاص. وقال الشافعي: لا يجوز إلا بالتراب المنبت خاصة، وبه فسر الطيب، واشترط علوق التراب بيده، ولم يشترطه غيره.
ثم علّم الكيفية فقال: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ. قال مالك: اليد اسم للكف بدليل قطع السارق منه، فجعل المسح إلى المرفق سنة. وقال الشافعي: فرض، قياسًا على الوضوء، إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً فلذلك يسَّر عليكم ورخص لكم في التيمم.
الإشارة: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا صلاة الحضرة القدسية، وأنتم سكارى بحب الدنيا الدنية، حتى يذهب عنكم سُكر حبها، وتعلموا ما تقولون في مناجاة خالقها، ولا جنبًا من جنابة الغفلة، إلا ما يمر بالخواطر على سبيل الندرة والقلة، حتى تغتسلوا بماء الغيب، الذي يحصل به طهارة الجنان، ويغيب المتطهر به عن رؤية الأكوان.
وإليه أشار ابن العربي الحاتمي: كما في طبقات الشعراني، ونسبها غيرُه للجنيد- رضى الله عنهم أجمعين- وهو الأصح، بقوله:

تَوَضَّأ بماءِ الغَيبِ إن كُنتَ ذا سِرٍّ وإلاَّ تَيَمَّم بالصَّعِيدِ أو الصَّخر
وقّدَّم إمَامًا كُنتَ أنتَ إمَامَه وصَلِّ صلاة الظُّهرِ فى أول العصر
فَهَذِي صَلاةُ العَارِفينَ بربّهِم فإن كنت منهم فانضح البرِّ بالبَحر.
أي: إن لم تقدر على الطهارة الأصلية وهي الغيبة عن الأحداث الكونية، فاقصد العبادة الحسية، وقَّدم الشريعة أو من قام بها من أهل التربية النبوية أمامك، بعد أن كان يطلبك قبل أن تعرفه، وأجمع ظُهر الشريعة لعصر الحقيقة، فهذه صلاة العارفين، فإن كنت منهم فانضح بَرَّ ظاهرك بحقيقة باطنك، فما كمن في غيب السرائر ظهر في شهادة الظواهر. لهذا أشار تعالى بقوله: (وإن كنتم مرضى) بحب الهوى، (أو على سفر) في عجلة شغل الدنيا، أو جاء أحد منكم من غائط الحس، أو لامستم العلوم الرسمية، وانطبع صُورُ خيالها في قلوبكم، ولم تجدوا من يسقيكم ماء الغيب، وهي الخمرة الآزلية، فاقصدوا الأعمال الحسية، فلعلها توصلكم إلى الأعمال الباطنية، (إن الله كان عفوًا غفورًا)، وفي الحِكَم: «كيف يشرق قلبٌ صورُ الأكوان منطبعة في مرآته؟ أم كيف يرحل إلى الله وهو مُكَبَّل بشهواته، أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته؟ أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته؟».


الصفحة التالية
Icon