الرسول صلّى الله عليه وسلم: سَمِعْنا قولك، وَعَصَيْنا أمرك، وَاسْمَعْ منا غَيْرَ مُسْمَعٍ قولك، أي: لا نلتفت إليه، أو دعاء بالصمم: أي: لا سمعت، أو غير مسمع منا مكروهًا، نفاقًا، ويقولون له مكان انظرنا: راعِنا قاصدين بذلك الشتم والسخرية، من الرعونة، وقد كان الصحابة يخاطبون به الرسول- عليه الصلاة والسلام- ومعناه:
انظرنا. أو راعنا بقلبك، فوجد اليهود بها سبيلاً إلى الشتم، فنهاهم الله عن ذلك، وبقيت اليهود تقولها شتماً واستهزاءً لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ، أي: فَتلاً لها عن معناها، من الانتظار إلى ما قصدوا من رَميِه بالرُّعُونة، وَطَعْناً فِي الدِّينِ أي: استهزاء به، وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا مكان سمعنا وعصينا، وَاسْمَعْ منا فقط، مكان: واسمع غير مسمع، وَانْظُرْنا مكان راعنا، لَكانَ قولهم ذلك خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وأعدل، وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ أي: طردهم وأبعدهم بسبب كفرهم، فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا إيمانًا قَلِيلًا لا يعبأ به وهو الإيمان بالبعض والكفر بالبعض من الآيات والرسل. والله تعالى أعلم.
الإشارة: والله ما ربح من ربح، إلا بالأدب والتعظيم، وما خسر من خسر إلا من فقدهما. قال بعضهم:
«اجعل عَمَلك مِلحًا، وأدبك دقيقا». وآداب الظاهر عنوان آداب الباطن، ويظهر الأدب في حسن الخطاب، ورد الجواب، وفي حسن الأفعال، وظهور محاسن الخلال. والله تعالى أعلم.
ثم دعاهم إلى الإيمان بعد أن وسمهم بالعصيان، فقال:
[سورة النساء (٤) : آية ٤٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (٤٧)
يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِن اليهود آمِنُوا بِما نَزَّلْنا من القرآن مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ من التوراة مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً أي: نغير صُورها ونمحو تخطيط أشكالها، فلا تبقى عين ولا أنف ولا حاجب، فَنَرُدَّها عَلى هيئة أَدْبارِها من الأقفاء، أو ننكسها إلى ورائها في الدنيا، أَوْ نَلْعَنَهُمْ أي: نخزيهم بالمسخ، كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ، فمسخناهم قردة وخنازير، وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا، لا مرد له، ولعله كان مشروطاً بعدم إيمان بعضهم، أو يراد بطمس الوجوه ما يكسوها من الذلة والصغار. ويراد باللعن حقيقته، أي: نلعنهم على لسانك كما لُعنوا على لسان داوود وعيسى بن مريم.