توحيدُ مَنْ ينطقُ عَنْ نَعْتِهِ | عاريةُ أَبْطَلَهَا الواحِدُ |
توحيدُه إِيّاه توحيدُه | ونعتُ من يَنْعَتُه لاَحِدُ «١» |
قال رجل بين يدي الجنيد: (الحمد لله) ولم يقل: (رب العالمين)، فقال له الجنيد: كَمِّلْهَا يا أخي، فقال الرجل: وأيّ قَدْر للعالمين حتى تُذكر معه؟! فقال الجنيد: قُلها يا أخي فإن الحادث إذا قُرن بالقديم تلاشى الحادث وبقي القديم.
يقول سبحانه: يا مَن هو مني قريب، تَدبر سِرِّي فإنه غريب، أنا المحبُ، وأنا الحبيب، وأنا القريب، وأنا المجيب، أنا الرحيم الرحمن، وأنا الملك الديّان، أنا الرحمن بنعمة الإيجاد، والرحيمُ بتوالي الإمداد. منِّي كان الإيجاد، وعليَّ دوام الإمداد، وأنا رب العباد، أنا الملك الديَّان، وأنا المجازي بالإحسان على الإحسان، أنا الملك على الإطلاق، لولا جهالة أهل العناد والشقاق، الأمر لنا على الدوام، لمن فهم عنا من الأنام.
قال في الرسائل الكبرى «٢» : لا عبرة بظواهر الأشياء، وإنما العبرة بالسر المكنون، وليس ذلك إلا بظهور أمر الحق وارتفاع غَطَائه وزوال أستاره وخفائه، فإذا تحقق ذلك التجلّي والظهور، واستولى على الأشياء الفناءُ والدُّثُور، وانقشعت الظلمات بإشراق النور، فهناك يبدو عين اليقين ويَحِقُّ الحق المبين، وعند ذلك تبطل دعوى المدعين، كما يفهم العامة بطلان ذلك في يوم الدين، حين يكون الملك لله رب العالمين، وليت شعري أيُّ وقت كان الملكُ لسواه حتى يقع التقييد بقوله: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ وقوله: وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ؟! لولا الدعاوَى العريضة من القلوب المريضة. هـ.
(١) مضمون الأبيات كما يقول الشيخ ابن عجيبة فى إيقاظ الهمم: أن الحق تولى توحيد نفسه بنفسه. فكل من ادعى أنه وحده بنفسه فهو جاحد لوحدانيته، حيث أشرك معه نفسه، وكل من ينعته بنفسه فهو لاحد- أي: مائل عن الصواب. وهذا المعنى من المعاني التي ينبغى أن تفهم فى ضوئها هذه الأبيات، وللأبيات محامل أخرى ذكرها العلامة ابن القيم. فلتنظر فى كتابه مدارج السالكين. وانظر أيضا: مدارج السلوك لأبى بكر بنانى.
(٢) لابن عباد النفزي، شارح الحكم.
(٢) لابن عباد النفزي، شارح الحكم.