والغضبُ: ثَوَرانُ النفس إرادةَ الانتقام، فإذا أسند إلى الله تعالى أريد غايته وهو العقوبة، و (عليهم) نائب فاعل، و (لا) مَزيدة لتأكيد ما في (غير) من معنى النفي، فكأنه قال: ولا المغضوب عَلَيْهِم وَلاَ الضآلين، وقرأ عمر رضي الله عنه (وغير الضالين) والضلال: العدول عن الطريق السوي عمداً أو خطأً، وله عرض عَريضٌ والتفاوت بين أدناه وأقصاه كبير. قاله البيضاوي.
وإنما أَسند النعمة إلى الله والغضبَ إلى المجهول تعليماً للأدب، مَّآ أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ... الآية.
يقول الحق جلّ جلاله في تفسير الطريق المستقيم: هو طريق الذين أنعمتُ عليهم بالهداية والاستقامة، والمعرفة العامة والخاصة، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، والمُنعَم عليهم في الآية مطلق، يصدق بكل منعَم عليه بالمعرفة والاستقامة في دينه، كالصحابة وأضرابِهِمْ. وقيل: المراد بهم أصحاب سيدنا موسى عليه السلام قبل التحريف. وقيل: أصحاب سيدنا عيسى قبل التغيير. والتحقيق أنه عام.
قال البيضاوي: ونِعَمُ الله وإن كانت لا تُحصى كما قال الله: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها تنحصر في جنسين: دنيوي وأخروي.
فالأول: وهو الدنيوي- قسمان: موهبي وكَسْبِي، والموهبي قسمان: رُوحاني، كنفخ الروح فيه وإشراقه بالعقل وما يتبعه من القوي، كالفهم والفكر والنطق، وجسماني: كتخليق البدن بالقوة الحالة فيه والهيئات العارضة له من الصحة وكمال الأعضاء. والكسبي: كتزكية النفس عن الرذائل، وتحليتها بالأخلاق الحسنة والملكات الفاضلة، وتزيين البدن بالهيئات المطبوعة والحُلي المستحسنة، وحصول الجاه والمال.
والثاني: وهو الأُخروي-: أن يغفر له ما فَرَطَ منه ويرضى عنه ويبوئه في أعلى علِّيين، مع الملائكة المقربين أبد الآبدين، والمراد القسمُ الأخير، وما يكون وُصْلة إلى نيله من القسم الأول، وأما ما عدا ذلك فيشترك فيه المؤمن والكافر. هـ.
قال ابن جُزَيّ: النعم التي يقع عليها الشكر ثلاثة أقسام، دنيوية: كالصحة والعافية والمال الحلال. ودينية:
كالعلم والتقوى والمعرفة. وأخرويةٌ: كالثواب على العمل القليل بالعطاء الجزيل. وقال أيضاً: والناس في الشكر على مقامين: منهم مَن يشكر على النعم الواصلة إليه، الخاصة به، ومنهم مَن يشكر الله عن جميع خلقه على النعم الواصلة إلى جميعهم. والشكر على ثلاث درجات: فدرجة العوام: الشكر على النِّعم، ودرجة الخواص: الشكر على النِّعم والنقم وعلى كل حال، ودرجة خواص الخواص: أن يغيب عن رؤية النعمة بمشاهدة المُنعم. قال رجل