يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ يا محمد للذين سألوك مَن يشهد لك بالنبوة: أَيُّ شَيْءٍ عندكم هو أَكْبَرُ شَهادَةً؟ فإن لم يجيبوا فقل لهم: هو اللَّهُ فإنه أكبر الشاهدين، وهو الذي يشهد لي بالنبوة والرسالة بإقامة البراهين وإظهار المعجزات، وهو شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وكفى به شهيدًا.
وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ أي: لأخوّفكم به، إن أعرضتم عنه، وأُبشِّركم به إن آمنتم به، واكتفى بذكر الإنذار عن ذكر البشارة لأنه مصرح به في موضع آخر، ولأن الأهم هنا هو الإنذار لغلبة الكفر حينئذٍ، وأُنذر به أيضًا كل من بلغه القرآن من الأحمر والأسود، والجن والإنس إلى يوم القيامة. وفيه دليل على أنَّ أحكام القرآن تعُم الموجودين وقت النزول ومَن بعدَهم، وأنه لا يؤاخذ بها من لم تبلغه، وهو نادر، قال سعيد بن جبير: (مَن بلَغه القرآن فكأنما رأى محمدا صلّى الله عليه وسلّم).
الإشارة: في الآية حثٌّ على الاكتفاء بعلم الله، والاستغناء به عما سواه، وعلامةُ الاكتفاء بعلم الله ثلاث:
استواء المدح والذم، والرضى بالقليل والكثير، والرجوع إلى الله وحده في السراء والضراء.
واعلم أنَّ الحق تعالى إذا شهد لك بالخصوصية، ثم اكتفيت بشهادته فأنت من أهل الخصوصية، وإن لم تكتف بشهادته، وتطلعت إلى أن يعلم الناس بخصوصيتك، فأنت كاذب في دعوى الخصوصية. واطلاع الحق تعالى على ثبوت خصوصيتك هو شهادته لك، فاقنع بعلم الله، ولا تلتفت إلى أحد سواه، لئلا ينزعَها مِن قلبك، حيث لم تقنع بعلم الله فيك. وبالله التوفيق.
ولمّا أتى قومٌ من الكفار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقالوا: يا محمد أما تعلم أن مع الله إلها آخر؟ أنزل الله تعالى:
أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ قلت: الاستفهام للإنكار والتوبيخ.
يقول الحق جلّ جلاله، في الإنكار على المشركين: أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى تستحق أن تعبد قُلْ لهم يا محمد: أنا لا أَشْهَدُ بما تشهدون به، قُلْ لهم: إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ بل أشهد ألا إله إلا هو، وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ به من الأصنام.