بما يقربه من الله ويبعده عما سواه وفي الحديث: «تَعِسَ عبدُ الدِّينَارِ والدِّرهَمِ والخَمِيصَةِ، تَعِسَ وانتَكَسَ، وإذَا شِيكَ فلا انتَقَشَ» «١».
ثم ذكر أحوالهم فى الدنيا باعتبار الكفر والعناد، فقال:
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٢٥ الى ٢٦]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٥) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٢٦)
قلت: «مَنْ» : لفظها مفرد ومعناها جمع، فيجوز في الضمير مراعاة اللفظ فيُفرد، كقوله هنا: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ، ويجوز مراعاة المعنى فيجمع، كقوله في يونس: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ «٢» والأكِنَّة: الأغطِية، جمع كنان، و (أن يفقهوه) : مفعول له أي: كراهية أن يفقهوه، و (حتى) : غاية، أي: انتهى التكذيب حتى وصلوا إليك يجادلونك، والجملة بعدها: إمَّا في محل جر بها ويجادلونك جواب لها، و (يقول) : تبيين لها، وإما لا محل لها فتكون ابتدائية. والأساطير: جمع أسطورة، أو أسطار جمع سَطر، فيكون جمع الجمع.
يقول الحق جلّ جلاله: ومن الكفار مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حين تقرأ القرآن، والمراد: أبو سفيان والوليد والنضر وعُتبة وشَيبَة وأبو جهل وأضرابهم، اجتمعوا فسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقرأ، فقالوا للنضر: ما تقول؟ فقال:
والذي جعلها بيننا وبينه ما أدري ما يقول، إلا أنه يحرك لسانه، ويقول أساطير الأولين، مثل ما جئتُكم به. قال السُّهَيلي: حيث ما ورد في القرآن: «أساطير الأولين» فإنَّ قائلها هو النضر بن الحارث، وكان قد دخل بلاد فارس وتعلَّم أخبار ملوكِهم، فكان يقول: حديثي أحسنُ من حديث محمد، فنزلت فيه وفي أصحابه.
وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أي: أغطية كراهة أَنْ يَفْقَهُوهُ لمَا سبق لهم من الشقاء، وَجعلنا فِي آذانِهِمْ وَقْراً أي: ثقلاً وصمَمًا فلا يسمعون معانيه، ولا يتدبرونها. وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ ومعجزة لا يُؤْمِنُوا بِها لفرط عنادهم، واستحكام التقليد فيهم، وسبقِ الشقاء لهم، فلا يزال التكذيب والشك يعظُم فيهم حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ أي: حتى ينتهي بهم التكذيب إلى أن يجيؤوك يجادلونك يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أي:
ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ أي: أكاذيب الْأَوَّلِينَ، فإنَّ جَعلَ أصدق الحديث خرافاتِ الأولين غاية التكذيب.

(١) إذا شيك فلا انتقش: أي:
إذا شاكته شوكة فلا يقدر على انتقاشها، وهو إخراجها بالمنقاش والحديث أخرجه البخاري مطولا فى (الجهاد والسير، باب الحراسة). من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
(٢) من الآية: ٤٢ من سورة يونس.


الصفحة التالية
Icon