الإشارة: قد تقدّم مراراً أن طلب الكرامات من الأولياء: لقلة الاعتقاد فيهم وقلة الصدق. وأكمل الكرامات:
الاستقامة على التوحيد في الباطن، وتحقيق العبودية في الظاهر. وبالله التوفيق.
ثم قبّح شأن أهل التكذيب، فقال:
[سورة الأنعام (٦) : آية ٣٩]
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩)
يقول الحق جلّ جلاله: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الدالة على كمال قدرتنا وتحقيق وحدانيتنا، أو بآياتنا المنزلة على رسولنا، هم صُمٌّ لا يسمعون مثل هذه الآيات- الدالة على ربوبيته وكمال علمه وعظيم قدرته- سماعًا تتأثر به نفوسهم، وَهم أيضًا بُكْمٌ لا ينطقون بالحق، وهم فِي الظُّلُماتِ أي: خائضون في بحر ظلمات الكفر والجهل، وظلمة العناد، وظلمة التقليد، فوصفهم بالصمم والبَكَم والعَمى، ويؤخذ العمى من قوله:
فِي الظُّلُماتِ، وهذا كله داخل تحت مشيئته وعلمه السابق مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ عدلاً، وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ بأن يرشده إلى الهدى ويحمله عليه، فيتبع الطريق الذي لا عوج فيه.
الإشارة: أولياء الله في أرضه آية من آيات الله، فمن كذب بهم بقي في ظلمة الجهل بالله وظلمة حجاب النفس وحجاب الأكوان، محجوبًا بمحيطاته، محصورًا في هيكل ذاته، قلبه أصم عن تَذَكُّرِ الحقائق، ولسانه أبكم عن النطق بحكم العلم والأسرار، لم تسبق له في مشيئة الحق عناية، ولا هَبَّ عليه شيءٌ من رياح الهداية، عائذاً بالله من سوء القضاء ودرك الشقاء.
ثم أقام لهم البرهان على توحيده، فقال:
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٤٠ الى ٤١]
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٠) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ (٤١)
قال في المشارق: أرأيتك: معناه: الاستخبار والاستفهام، أي: أخبرني عن كذا، وهو بفتح التاء في المذكر والمؤنث والواحد والجمع، تقول: أرأيتك وأ رأيتكما وأ رأيتكم، ولم تُثَن ما قبل علامة المخاطب ولم تَجمعَهُ، فإذا أردت معنى الرؤية- أي البصرية- تثنيت وجمعت وأنثت، فقلت: أرأيتك قائما، وأ رأيتك قائمة، وأ رأيتكما وأ رأيتموكم وأ رأيتيكن. هـ. وقال في الإتقان: إذا دخلت الهمزة على «رأيت» امتنع أن يكون من رؤية العين والقلب، وصار المعنى: أخبرني، وهو خلاف ما قال في المشارق، فانظره وانظر الحاشية الفاسية.
قال البيضاوي: (أرأيتكم) : استفهام تعجب، والكاف: حرف خطاب، أكد به الضمير للتأكيد، لكن لا محل له من الإعراب، لأنك تقول: أرأيتك زيدًا ما شأنه، فلو جعلت الكاف مفعولاً- كما قاله الكوفيون- لعدَّيت الفعل إلى ثلاثة


الصفحة التالية
Icon