مفاعيل، ولزم في الآية أن يقول: أرأيتكموكم، بل الفعل معلق، أو المفعول محذوف، وتقديره: أرأيتكم آلهتكم تنفعكم إذ تدعونها إن أتاكم عذاب الله، ويدل عليه: (أغير الله تدعون). هـ. وجواب (إنْ) : محذوف أي: إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة فمن تدعون؟ وجواب (إن كنتم) : محذوف أيضًا أي: إن كنتم صادقين في أنَّ غير الله ينفعكم فادعوه، ثم وصفهم بأنهم لا يدعون حينئذٍ إلا الله.
يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ لهم يا محمد: أَرَأَيْتَكُمْ أي: أخبروني إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ في الدنيا كما أتى من قبلكم، أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ وأهوالها، أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ وتلتجئون إليه في كشف ما نزل بكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أن الأصنام آلهة، لا، بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ وحده، فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ أي: ما تدعونه إلى كشفه، إِنْ شاءَ أن يتفضل عليكم بالكشف في الدنيا، وقد لا يشاء، وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ أي: وتتركون آلهتكم في ذلك الوقت لِما ركز في العقول من أنه قادر على كشف الضر دون غيره، أو تنسون من شدة الأمر وهوله.
الإشارة: إنما يظهر توحيد الرجال عند هجوم الأحوال، فإن رجع إلى الله وحده ولم يلتفت إلى شيء سواه، علمنا أنه من الأبطال، وإن فزع إلى شيء من السَّوى، علمنا أنه من جملة الضعفاء. وعندهم من جملة أصول الطريق: الرجوع إلى الله في السراء والضراء، فإن رجع إليه أجابه فيما يريد، وفي الوقت الذي يريد، وقد لا يريد على حسب إرادة المريد. والله تعالى أعلم.
ثم حضّ على الرجوع إليه فى حالة الضراء، فقال:
[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٤٢ الى ٤٥]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (٤٢) فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣) فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٥)
يقول الحق جلّ جلاله، تخويفًا لهذه الأمة: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مضت مِنْ قَبْلِكَ رسلاً فأنذروهم، فكذبوا وكفروا فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ أي: الشدة، كالقحط والجوع، وَالضَّرَّاءِ كالأمراض والموت والفتن، تخويفًا لهم لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ أي: يتذللون ويتوبون من ذنوبهم، فلم يفعلوا، فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا أي: هلاَّ تذللوا حين جاءهم البأس فنرحمهم، وفيه دليل على نفع التضرع حين الشدائد، وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ