ومن تقدم، إلا من تاب، كابن أبي سرح. وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ كالذين قالوا: لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا «١» كالنضر بن الحارث وأشباهه.
وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ من اليهود والكذابين والمستهزئين، حين يكونون فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ: شدائده وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ لقبض أرواحهم، أو بالضرب لوجوههم وأدبارهم، قائلين لهم: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ من أجسادكم تغليظًا عليهم، الْيَوْمَ وما بعده تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ أي: الهوان، يريد العذاب المتضمن للشدة والهوان، وإضافته للهوان لتمكنه فيه. وذلك العذاب بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ، كادعاء النبوة كذبًا، وادعاء الولد والشريك لله، وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ فلا تستمعون لها، ولا تؤمنون بها، فلو أبصرت حالهم ذلك الوقت لرأيت أمرًا فظيعًا وهولاً شنيعًا.
يقول الحق سبحانه لهم: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا للحساب والجزاء، فُرادى. متفرَّدين عن الأعوان والأوثان، أو عن الأموال والأولاد، وهذا أولى بقوله: كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أي: على الهيئة التي وُلدتم عليها من الانفراد والتجريد حفاة عزاة غُرلاً «٢» وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ أي: تفضَّلنا به عليكم من الدنيا فشُغلتم به عن الآخرة، وَراءَ ظُهُورِكُمْ، فلم تقدموا منه شيئًا، ولم تحملوا معكم منه نقيرًا، وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ أي: أصنامكم الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ أي: أنهم شركاء مع الله في ربوبيتكم واستحقاق عبادتكم، لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ أي: تفرَّق وصلُكم وتشتت شملكم، وَضَلَّ أي: غاب عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أنهم شفعاؤكم، أو لا بعث ولا حساب لظهور كذبكم.
الإشارة: كل مَن ادعى حالاً أو مقامًا، يعلم من نفسه أنه لم يُدركه ولم يتحقق به، فالآية تَجُرُّ ذيلَها عليه. وفي قوله: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى.. الخ، إشارة إلى أن الدخول على الله والوصول إلى حضرته، لا يكون إلاَّ بعد قطع العلائق والعوائق والشواغل كلها، وتحقيق التجريد ظاهرًا وباطنًا إذًا لا تتحقق الفردانية إلا بهذا.
وقال الورتجبي: ولي هنا لطيفةٌ أخرى، أي: ولقد جئتمونا موحدِّين بوحدانيتي، شاهدين بشهادتي، بوصف الكشف والخطاب، كما جئتمونا من العدَم في بدء الأمر، حين عَرَّفتُكم نفسي بقولي: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى «٣»، بلا إشارة التشبيه وغلط التعطيل، كما وصفهم نبيه صلى الله عليه وسلّم: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَد على الفطرة»، يعنى: على
(٢) أي غير مختونين.
(٣) من الآية ١٧٢ من سورة الأعراف