قلت: من قرأ (مستقر) بفتح القاف، فمصدر، أو اسم مكان ومن قرأه بالكسر فاسم فاعل، وعلى كل- هو مبتدأ، حذف خبره الجار والمجرور، أي: لكم مستقر.
يقول الحق جلّ جلاله: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ آدم عليه السلام فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ أي:
فلكم استقرار في الأصلاب أو فوق الأرض، واستيداع في الأرحام أو تحت الأرض، أو موضع استقرار واستيداع فيهما، أو: فمنكم مُستَقِّر في الأصلاب أو في الأرض، أي: قارٌّ فيهما، ومنكم مستودَع في الأرحام أو تحت الأرض.
وقيل: الاستقرار: في الأرحام، والاستيداع: في الصلب، بدليل قوله: وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ مَا نَشاءُ «١».
قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ أي: يفهمون دقائق أسرار القدرة، ذكر مع النجوم: يَعْلَمُونَ لأن أمرها ظاهر، وذكر مع تخليق بني آدم: يَفْقَهُونَ لأن إنشاءهم من نفس واحدة، وتصريفهم على أحوال مختلفة، دقيق يحتاج إلى زيادة تفهم وتدقيق نظر.
الإشارة: بعض الأرواح مستقرها الفناء في الذات، ومستودعها الفناء في الصفات، وهم العارفون من أهل الإحسان، وبعضها مستقرها الفناء في الصفات، ومستودعها الاستشراف على الفناء في الذات، وهم أهل الإيمان بالغيب. وقال الورتجبي: بعض الأرواح مستقرها الصفات، ومستودعها الذات، بنعت البقاء في الصفات، والفناء في الذات لأن القَدَم مُنزه أن يحل فيه الحدث. هـ.
ثم ذكر برهانا آخر، فقال:
[سورة الأنعام (٦) : آية ٩٩]
وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مآء فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩)
قلت: الضمير في (منه) : يعود على النبات، و (خَضِرًا) : نعت لمحذوف، أي: شيئًا خضرًا، و (قِنوَانٌ) : مبتدأ، و (من النخل) : خبر، و (مِن طَلعها) : بدل، والطَّلع: أول ما يخرج من التمر في أكمامه، والقنوان: جمع قنو، وهو العنقود من التمر، و (مُشتبهًا) : حال من الزيتون والرمان، أو من كل ما تقدم من النبات، و (جنات) : عطف على (نبات كل شيء). و (ينعِهِ) أي: نضجه وطيبه، يقال: يَنَعتِ الثمرة، إذا أدركت وطابت.