بعثوا له أهمه ذلك، واستحيا أن يكلمهم فيه مخافة أن يظنوا به ثقل مقامهم، فعلم المغنيتين بيتين من الشعر، وأمرهما أن تغنيا به وهما:
ألا يا قَيلُ ويَحكَ، قُم، فَهَينِم | لَعلَّ الله يسقِينَا الغَمَامَا |
فيسقيِ أرضَ عَادٍ، إنَّ عَادًا | قَدَ امسَوا لاَ يُبِينُونَ الكَلامَا |
وهاهنا بحث وهو أن البيت إنما بناه إبراهيم عليه السلام حسبما في الصحيح، ولم تعمر مكة إلا بعد إنزال إسماعيل فيها، وهود كان قبل إبراهيم، والبيت حينئذٍ خرب، كان خربه الطوفان، فكيف يتوجهون إليه وهو لم يكن؟.
ويمكن الجواب: بأنهم كانوا يلتجئون إلى رسومه وخربته التي بقيت بعد الطوفان لأن أول من بناه آدم عليه السلام فلما خربه الطوفان بقي أثره، فكانوا يتبركون به، وفي بعض التواريخ: أن العماليق بنوه قبل إبراهيم، فكانوا يطوفون به ويتبركون، ثم هُدم، وبناه بعدهم خليل الله إبراهيم. وبهذا- إن صح- يزول الإشكال. والله تعالى أعلم.
وأما من قال: إن هودًا تعدد، فغير سديد.
الإشارة: قد تضمنت موعظة هود عليه السلام لقومه خصلتين، بهما النجاة من كل هول وشر، والفوز بكل خير، وهما: التوحيد والتقوى، وهي الطاعة لله ولرسوله فيما جاء به من أمر ونهي. فالتوحيد تطهير الباطن من الشرك الجلي والخفي، والتقوى: حفظ الجوارح من المخالفة في السر والعلانية، وهاتان الخصلتان هما أساس الطريق ونهايته. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر قصة صالح عليه السّلام، فقال: