وانقطاع من الوحي، أرسلناه كراهية أَنْ تَقُولُوا يوم القيامة: ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ، فتعتذروا بذلك، فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ فلا عذر لكم، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على الإرسال من غير فترة، كما في أنبياء بني إسرائيل فقد كان بين موسى وعيسى ألف نبي، وبينهما ألف وسبعمائة سنة، وعلى الإرسال على الفترة كما بين عيسى ومحمد صلّى الله عليه وسلّم. كان بينهما ستمائة سنة، أو خمسمائة سنة وتسع وستون سنة. قاله البيضاوي.
والذي في الصحيح: أن الفترة ستمائة سنة «١»، وفي الصحيح أيضًا عنه- عليه الصلاة السلام-: «أنا أولى النَّاس بعِيسَى في الأُوَلى والآخرة وليس بَينَنَا نبي» «٢». وهو يرد ما حكاه الزمخشري وغيره: أَن بينهما أربعة أنبياء: ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب، وهو خالد بن سِنان العبسي لأن النكرة في سياق النفي تعم. قاله المحشي.
الإشارة: ظهور أهل التربية بعد زمان الفترة، وخمود أنوار الطريقة وأسرار الحقيقة، حجة على العباد، ونعمة كبيرة على أهلِ العشق والوداد، من انتكب عنهم لقي الله بقلب سقيم، وقامت بهم الحجة عليهم عند الملك الكريم، ومن اتبعهم وحطَ رأسه لهم فاز بالخير الجسيم، والنعيم المقيم حيث لقي الله بقلب سليم، وقد ظهروا في زماننا هذا بعد اندراس أنوار الطريقة، وخمود أسرار الحقيقة، فجدد الله بهم الطريقة، وأحيا بهم أسرار الحقيقة، منهم شيخنا أبو المواهب صاحب العلوم اللدنية والأسرار الربانية، البحر الفياض، سيدي محمد بن أحمد البوزيدي الحسني، وشيخه القطب الواضح، والجبل الراسخ، شيخ المشايخ، مولاي العربي الدرقاوي الحسني، أطال الله بركاتهما للأنام، فقد تخرج على أيديهما الجم الغفير من الأولياء. وليس الخبر كالعيان. وبالله التوفيق.
ثم ذكّرهم بالنعم على لسان نبيه موسى- عليه السلام- فقال:
[سورة المائدة (٥) : آية ٢٠]
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (٢٠)
يقول الحق جلّ جلاله: وَاذكر إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ: يا بني إسرائيل اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ يسُوسُونكم، كلما مات نبي خلفه نبي، فقد شرفكم بهم دون غيركم، إذ لم يبعث في أمة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء، وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً أي: جعل منكم ملوكًا، وقد تكاثر فيهم الملوك تكاثر الأنبياء، فكان كل نبي معه ملك ينفذ أحكامه، فكانت دار النبوة ودار المملكة معلومة، يخلف بعضهم بعضًا في النبوة والمُلك، استمر ذلك لهم، حتى قتلوا يحيى، وهموا بقتل عيسى، فنزع الله منهم الملك، وأنزل عليهم الذل والهوان.
وقيل: لمّا كانوا مملوكين في أيدي القبط، فأنقذهم الله وجعلهم مالكين لأنفسهم، سماهم ملوكا.

(١) جاء ذلك فيما أخرجه البخاري فى (مناقب الأنصار- باب إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه) عن سلمان قال: (فتره بين عيسى ومحمد صلّى الله عليهما- ستمائة سنة).
(٢) أخرجه البخاري فى (كتاب الأنبياء، باب: واذكر فِي الكتاب مَرْيَمَ) ومسلم فى (الفضائل، باب فضائل عيسى عليه السلام) عن أبي هريرة رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon