وقوله تعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً: هو ماء الغيب الذي يطهر القلوب من شهود السَّوى، ويذهب به رجز الشيطان، وهي ظلمة الأكوان، التي تنعقد في القلب من حب الهوى الذي هو من تزيين الشيطان، ويثبت به الأقدام، حتى تثبت عند مصادمة أنوار الحضرة، التي هي تجلي الذات، فلا يثبت لها إلا الشجعان والأبطال وأكابر الرجال. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر علة أمرهم بقتل الكفار، فقال:
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ١٣ الى ١٤]
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤)
قلت: (ذلكم) : مبتدأ حُذف خبره، أي: ذلكم العقاب أو العذاب، أو خبر، أي: الأمر ذلكم، أو منصوب بمضمر يفسره فذوقوه، و (أن للكافرين) : عطف على (ذلكم)، أو نصب على المفعول معه، وقرىء بالكسر استئنافاً.
يقول الحق جلّ جلاله: لِكَ
الضرب لأعناق الكفار، أو الأمر به أَنَّهُمْ
بسبب أنهم اقُّوا
أي: خالفوالَّهَ وَرَسُولَهُ
، وصاروا كأنهم في شق وهو في شق مبالغة في المخالفة والمباعدة، مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
ويبعد عنهماإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
لكل من خالفه أو خالف رسوله، وهو تقرير للتعليل، أو وعيد بما أعدَّ اللهُ لهم في الآخرة بعد ما حاق بهم في الدنيا، ذلِكُمْ العذاب فَذُوقُوهُ وباشروا مرارته، وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ، والمعنى: ذُوقوا ما عجل لكم من النقمة في الدنيا مع ما يحل عليكم في الآخرة من عذاب النار، ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أن الكفر سبب العذاب العاجل والآجل.
الإشارة: مخالفة الله ورسوله توجب الطرد والبعاد، وموافقة الله ورسوله توجب القرية والوداد، وهذه الموافقة التي توجب للعبد المحبة والوداد تحصل بخمسة أشياء: امتثال أمره، واجتناب نهيه، والإكثار من ذكره، والاستسلام لقهره، والاقتداء بنبيه صلّى الله عليه وسلم والتأدب بآدابه، والتخلق بأخلاقه، وبأضداد هذه الأشياء يحصل للعبد المخالفة التي توجب طرده وبُعده، وهي مخالفة أمره، وارتكاب نهيه، والغفلة عن ذكره، والتسخط عند نزول قهره، وعدم الاقتداء بنبيه صلّى الله عليه وسلّم بارتكاب البدع المحرمة والمكروهة، حتى يُفضى به الحال إلى المشاققة والمباعدة، مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
. وبالله التوفيق.