منه فتنة، وهو همه بما لا يجوز، تَعدَّتْ فتنته إلى السر وهي الحُجْبَةُ. وكذلك المُقَدًّمُ في شأنه، إذا فعل ما لا يجوز، انقطعت البركات التي كانت تتعدى منه إلى مُتَّبعِيهِ وتلامذتِهِ، فكان انقطاع تلك البركات عنهم نصيبهم من الفتنة، وهم لم يعملوا ذنباً، ويقال: إن الأكابر إذا سكتوا عن التنكير على الأصاغر أصابتهم فتنة بتَرْكِهِم الإنكار عليهم فيما فعلوا من الإجرام.
ثم قال: ويقال: إن الزاهد إذا انحط إلى رخصة الشرع في اخذ الزيادة من الدنيا بما فوق الكفاية- وإن كانت من وجه حلال- تعدت فتنتهُ إلى من يتخرج على يديه من المبتدئين، فيحمله على ما رأى منه على الرغبة في الدنيا، وتَرْكِ التقلل، فيؤديه إلى الانهماك في أودية الغفلة في الأشغال الدنيوية. والعابد إذا جَنَحَ إلى سوء ترك الأوراد تعدَّى ذلك إلى ما كان ينشط في المجاهدة به، ويتوطَّن الكسل، ثم يحمله الفراغ وترك المجاهدة على متابعة الشهوات، فيصير كما قيل:
إن الشبابَ والفراغ والجدَةْ | مفسدةٌ للمرء أي مفسده» |
رُعَاتُك ضيَّعوا- بالجهل منهم | غُنَيْمَاتٍ فَساسَتْها ذِئابُ. |
ثم ذكّرهم بالنعم، فقال:
[سورة الأنفال (٨) : آية ٢٦]
وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦)
يقول الحق جلّ جلاله: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ أي: اذكروا هذه النعمة، حيث كنتم بمكة وأنتم قليل عَددكم مع كثرة عدوكم، مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ أي: أرض مكة، يستضعفكم قريش ويعذبونكم ويضيقون عليكم، تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ أي: قريش، أو من عداهم، فَآواكُمْ إلى المدينة، وجعلها لكم مأوى