الوصول إليه. وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ المستحقين لولايته مع شركهم وكفرهم، وهو ردٌّ لما كانوا يقولون: نحن ولاة البيت الحرام فنصد من نشاء ونُدخل من نشاء. قال تعالى: إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ أي: ما المستحقون لولايته إلا المتقون، الذين يتقون الشرك والمعاصي، ولا يعبدون فيه إلا الله، ويعظمونه، حق تعظيمه. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أن لا ولاية لهم عليه، وإنما الولاية لأهل الإيمان، وكأنه نبه بالأكثر على أن منهم من يعلم ذلك ويعاند، أو أراد به الكل، كما يراد بالقلة العدم. قاله البيضاوي.
الإشارة: قد جعل الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أماناً لأمته ما دام حيّا، فلما مات صلّى الله عليه وسلّم بقيت سنته أماناً لأمته، فإذا أُميتت سنته أتاهم ما يوعدون من البلاء والفتن، وكذلك خواص خلفائه، وهم العارفون الكبار، فوجودهم أمان للناس، فقد قالوا: إن الإقليم الذي يكون فيه القطب لا يصيبه قحط ولا بلاء، ولا هرج ولا فتن لأنه أمان لذلك الإقليم، خلافة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر تلاعبهم بالدين، فقال:
[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٥]
وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥)
يقول الحق جلّ جلاله: وَما كانَ صَلاتُهُمْ التي يصلونها في بيت الله الحرام، ويسمونها صلاة، أو ما يضعون موضعها، إِلَّا مُكاءً أي: تصفيراً بالفم، كما يفعله الرعاة، وَتَصْدِيَةً أي: تصفيقاً باليد، الذي هو من شأن النساء، مأخوذ من الصدى، وهو صوت الجبال والجدران. قال ابن جزي: كانوا يفعلون ذلك إذا صلى المسلمون، ليخلطوا عليهم صلاتهم.
وقال البيضاوي: رُوي أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة، الرجال والنساء، مشبكين بين أصابعهم، يصفرون فيها ويصفقون، وقيل: كانوا يفعلون ذلك إذا أراد النبي صلى الله عليه وسلّم أن يُصلي، يخلطون عليه، ويرون أنهم يصلون أيضاً، ومساق الآية: تقرير استحقاقهم العذاب المتقدم في قوله: وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ، أو عدم ولايتهم للمسجد، فإنها لا تليق بمن هذه صلاته. هـ.
قال تعالى: فَذُوقُوا الْعَذابَ الذي طلبتم، وهو القتل والأسر يوم بدر، فاللام للعهد، والمعهود: (أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، أو عذاب الآخرة، بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أي: بسبب كفركم اعتقاداً وعملاً.
الإشارة: وما كان صلاة أهل الغفلة عند بيت قلوبهم إلا ملعبة للخواطر والهواجس، وتصفيقاً للوسواس والشيطان، وذلك لخراب بواطنهم من النور، حتى سكنتها الشياطين واستحوذت عليها، والعياذ بالله، فيقال لهم:
ذوقوا عذاب الحجاب والقطيعة، بما كنتم تكفرون بطريق الخصوص وتبعدون عنهم. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon