الإشارة: كل من أنفق ماله في لهو الدنيا وفرجتها، من غير قصدٍ حسن، بل لمجرد الحظ والهوى، تكون عليه حسرة وندامة، تنقضي لذاته وتبقى تبعاته، وهو من كفران نعمة المال، فهو معرض للزوال، وإن بقي فهو استدراج، وعلامة إنفاقه في الهوى: أنه إن أتاه فقير يسأله درهماً منعه، وينفق في النزهة والفرجة الثلاثين والأربعين، فهذا يكون إنفاقه حسرة عليه، والعياذ بالله.
ثم ندب إلى التوبة، فقال:
[سورة الأنفال (٨) : آية ٣٨]
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨)
يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا كقريش وغيرهم: إِنْ يَنْتَهُوا عن الكفر ومعاداة الرسول بالدخول في الإسلام، يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ من ذنوبهم، ولو عظمت، وَإِنْ يَعُودُوا إلى الكفر وقتاله فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ أي: مضت عادتي مع الذين تحزبُوا على الأنبياء بالتدمير والهلاك، كعاد وثمود وأضرابهم، وكما فعل بهم يوم بدر، فليتوقعوا مثل ذلك، وهو تهديد وتخويف.
الإشارة: قل للمنهمكين في الذنوب والمعاصي: لا تقنطوا من رحمتي، فإني لا يتعاظمني ذنب أغفره، فإن تنتهوا أغفر لكم ما قد سلف. وأنشدوا:
يستوجب العَفْوَ الفتى، إذا اعترف... بما جَنى، وما أتى، وما اقْتَرفْ
لقوله: (قُل للذين كفروا... إنْ ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف)
وللشافعى رضى الله عنه:
فَلَمَّا قَسَا قَلْبِي وَضَاقَتْ مَذَاهِبِي... جَعَلتُ الرَجَا منِّي لِعَفْوكَ سُلَّمَا
تَعَاظَمَني ذَنبِي، فَلَمَّا قَرَنتُهُ... بِعفوكَ رَبِّي، كانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا
فَمَا زِلْتَ ذَا جُودِ وَفَضْلٍ وَمِنَّةٍ... تَجُودُ وتَعْفُو مِنَّهً وتَكَرُّمَا
فإن لم ينته المنهمك في الهوى فقد مضت سُنة الله فيه بالطرد والإبعاد، ويخاف عليه سوء الختام، والعياذ بالله.