قلت: (بطراً ورئاء) : مصدران في موضع الحال، أي: بطرين ومراءين، أو مفعول لأجله، و (يصدّون) : عطف على (بطراً) على الوجهين، أي: صادين، أو للصد.
يقول الحق جلّ جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً جماعة من الكفار عند الحرب، فَاثْبُتُوا للقائهم، ولا تفروا، وَاذْكُرُوا اللَّهَ في تلك الحال سراً داعين له، مستظهرين بذكره، متوجهين لنصره، معتمدين على حوله وقوته، غير ذاهلين عنه بهجوم الأحوال وشدائد الأهوال إذ لا يذكر الله تعالى في ذلك الحال إلا الأبطال من الرجال، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ بالظفر وعظيم النوال. قال البيضاوي: وفيه تنبيه على أن العبد ينبغي ألا يشغله شيء عن ذكر الله، وأن يلتجىء إليه عند الشدائد، ويقبل عليه بشراشره «١»، فارغ البال، واثقاً بأن لطفه لا ينفك عنه في جميع الأحوال. هـ.
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فيما يأمركم به وينهاكم عنه فإن الطاعة مفتاح الخيرات، وَلا تَنازَعُوا باختلاف الآراء، كما فعلتم في شأن الأنفال، فَتَفْشَلُوا وتجبنوا، وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ أي: ريح نصركم بانقطاع دولتكم، شبه النصر والدولة بهبوب الريح من حيث إنها تمشي على مرادها، لا يقدر أحد أن يردها، وقيل: المراد بها الريح حقيقة، فإن النصرة لا تكون إلا بريح يبعثه الله من ناحية المنصور تذهب إلى ناحية المخذول. وفي الحديث: «نُصِرتُ بالصِّبَا، وأُهْلِكَتْ عَادٌ بالدَّبُورِ» «٢». وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بالمعونة والكلاءة والنصر.
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ، يعني: أهل مكة، خرجوا بَطَراً أي: فخرا وأشرا وَرِئاءَ النَّاسِ ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة، وذلك أنهم لما بلغوا الجحفة أتاهم رسولُ أبي سفيان، يقول لهم: ارجعوا فقد سلمت عيركم، فقال أبو جهل: لا والله حتى نأتي بدراً، ونشرب بها الخمور، وتغني علينا القيان، ونطعم بها من حضرنا من العرب، فتسمع بنا سائر العرب، فتهابُنا، فوافوها، ولكن سُقوا بها كأس المنايا، وناحت عليهم النوائح مما نزل بهم من البلايا، فنهى الله المؤمنين أن يكونوا أمثالهم بطرين مراءين، وأمرهم أن يكونوا أهل تقوى وإخلاص، لأن النهي عن الشيء امرٌ بضده. وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي: خرجوا ليصدوا الناسَ عن طريق الله، باتباع طريقهم، وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ فيجازيهم عليه.
الإشارة: خاطب الله المتوجهين إليه، السائرين إلى حضرته، وأمرهم بالثبوت ودوام السير، وبالصبر ولزوم الذكر عند ملاقاة القواطع والشواغب، وكل ما يصدهم عن طريق الحضرة، وذلك بالغيبة عنه والاشتغال بالله عنه،
(٢) أخرجه البخاري فى (الاستسقاء- باب قول النبي صلى الله عليه وسلّم: «نصرت بالصبا» ) ومسلم فى (الاستسقاء- باب ريح الصباء والدبور).
عن ابن عباس رضى الله عنه.