لا يُغلبْ، ولا يُغلبْ من انتسب إليه، وتوكل في أموره عليه، حكيم فلا يَخرج عن حكمته وقدرته شيء، أو عزيز لا يذل من استجار به، ولا يضيع من لاذ به، والتجأ إلى ذماره «١»، حكيم لا يقصر عن تدبير من توكل على تدبيره، قاله في الإحياء. ثم قال: وكل ما ذكر في القرآن من التوحيد هو تنبيه على قطع الملاحظة عن الأغيار، والتوكل على الواحد القهار. هـ. وبالله التوفيق.
ثم ذكر عاقبة أهل النفاق والريب، فقال:
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٥٠ الى ٥١]
وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١)
قلت: جواب (لو) محذوف، أي: لرأيت أمراً عظيماً، و (الملائكة) : فاعل (يتوفى) فلا يوقف على ما قبله، ويرجحه قراءة ابن عامر بالتاء، ويجوز أن يكون الفاعل ضمير (الله)، و (الملائكة) : مبتدأ، و (يضربون) : خبر، والجملة: حال من (الذين كفروا)، والرابط: ضمير الواو، وعلى هذا فيوقف على ما قبله، وعلى الأول (يضربون) :
حال من الملائكة، و (ذوقوا) : عطف على (يضربون) على حذف القول، أي: ويقولون ذوقوا. و (ذلك) : مبتدأ، و (بما قدمت) : خبر، و (أن الله) : عطف على «ما» للدلالة على أن مقيدة بانضمامه إليه. انظر البيضاوي.
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَوْ تَرى يا محمد، أو يا مَن تصح منكم الرؤية، حال الَّذِينَ كَفَرُوا حين تتوفاهم الْمَلائِكَةُ ببدر، أو مطلقاً، وهم يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ، أو حين يتوفاهم الله ويقبض أرواحهم، حال كونهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم، أي: يضربون ما أقبل منهم وما أدبر، فيعمونهم بالضرب، أو يضربون وجوههم وظهورهم، أو أستاهَهُم، لرأيت أمراً فظيعاً. وَيقولون لهم: ذُوقُوا أي:
باشروا عَذابَ الْحَرِيقِ يوم القيامة بشارة لهم بما يلقون من العذاب في الآخرة. وقيل: تكون معهم مقامع من حديد، كلما ضربوا التهبت النار منها، ذلِكَ العذاب إنما وقع بكم بِما بسبب قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ أي:
بما كسبتم من الكفر والمعاصي، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ حتى يعذب بلا سبب، أو يهمل العباد بلا جزاء.
الإشارة: قد ذكر الحق جل جلاله حال الكاملين في العصيان في هذه الآية، وذكر في سورة النحل الكاملين في الطاعة، بقوله الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ... الآية «٢» وسكت عن المخلطين، ولعلهم يرون طرفاً من هذا أو طرفاً من هذا. والله تعالى أعلم.

(١) الذّمار: الحوزة والحرم والأهل.. انظر: اللسان (ذمر).
(٢) الآية ٣٢ من سورة النحل.


الصفحة التالية
Icon