ثم ذكر وعيدهم فقال: يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها أي: على الأموال المكنوزة فِي نارِ جَهَنَّمَ أي: يوم توقد النار ذات الحمى الشديد عليها، حتى تكون صفيحة واحدة، فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ، خصهم بالعذَاب، لأنهم كانوا يعرضون عن السائل، ويُولون ظهره، فيعرضون عنه بجباههم وجنوبهم. أو لأنها أشرف الأعضاء، لاشتمالها على الدِّماغ والقلب والكبد. أو لأنها أصول الجهات الأربع، التي هي مقادم الإنسان مؤخره وجنبتاه.
يقال لهم: هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أي: لمنفعتها، وكان عينَ مضرتها وسببَ تعذيبها، فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ أي: وبال كنزكم، أو ما كنتم تكنزونه. وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مَا مِنْ صَاحِب ذهبٍ ولا فضْةٍ لا يُؤدِّي منها حقّها إلاّ إذا كان يومُ القيامة صُفحت له صفائح من نَار، فأحمى عليها فى نار جهنم، فيُكوى بها جبينُه وجنبه وظهرُه، كلما بردت أُعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي بين العباد، فيرى سبيله: إمّا إلى الجنة وإمّا إلى النار». رواه مسلم بطوله «١».
قال ابن عطية: رُوي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم قالوا: قد ذم الله تعالى كسب الذهب والفضة، فلو علمنا أي المال خير حتى نَكْسبه؟ فقال عمر: أنا أَسأل لكم رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فسأله، فقال: «لِسان ذاكر، وقلب شَاكر، وزَوْجَة تُعينُ المرء على دينهِ» «٢». ورُوي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال، لما نزلت الآية: «تَبّاً للذَّهَبِ والفِضَّةِ» «٣». فحينئذٍ أشفق أصحابه، وقالوا ما تقدم. هـ. ولابن حجر:
من خير ما يتخذ الإنسانُ | في دنياه كيما يستقيمَ دينُه. |
قلبٌ شكور، ولسانٌ ذاكر، | وزوجةٌ صالحة تُعينُه. |
الإشارة: هذه الآية تغبُر في وجوه علماء السوء، الذين يتساهلون في أكل الدنيا بالعلم، كقبض الرشا، وقبض ما فوق أجرته في الأحكام، فترى بعض قضاة الجور يقبضون المثاقيل على إنزال يده على الحكم، مع أنه واجب عليه، حيث تعين عليه بنصب الإمام له، وتجر ذيلها على أغنياء الدنيا، الذين يجمعون الأموال ويكنزونها، فترى
(٢) أخرجه أحمد فى المسند (٥/ ٢٧٨- ٢٨٢) والترمذي فى (التفسير- سورة التوبة) وابن ماجه فى (الكفاح باب أفضل النساء) عن ثوبان.
(٣) أخرج هذه الرواية الإمام أحمد فى المسند (٥/ ٣٦٦) عن عبد الله بن أبي الهذيل.