ولا ينفعهم وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ لا خلاص لهم منه، وهذا كما ترى في الكفار، وأما عصاة المؤمنين فيخرجون منها بشفاعة نبيهم- عليه الصلاة والسلام- ولا حجة للمعتزلة في الآية، خلافًا لجهالة الزمخشري.
الإشارة: كل من مات تحت قهر الحجاب، ونكّبته المشيئة عن دخول الحضرة مع الأحباب، حصل له الندم يوم القيامة، فلو رام أن يفتدى منه بملء الأرض ذهبا ما تقبل منه، بل يبقى مقيمًا في غم الحجاب، معزولاً عن رؤية الأحباب، يتسلى عنهم بالحور والولدان، وتفوته نظرة الشهود والعيان في كل حين وأوان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم ذكر حكم السارق الذي تقدم ذكره فى قضية طعمة بن أبيرق لما تقدم أن هذه السورة مكملة لما قبلها، فقال:
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٣٨ الى ٤٠]
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠)
قلت: (السارق) : مبتدأ والخبر محذوف عند سيبويه، وهو الجار والمجرور، أي: مما يُتلى عليكم حكم السارق والسارقة، وقال المبرد: الخبر هو جملة: (فاقطعوا)، ودخلت الفاء لمعنى الشرط لأن الموصول- وهو «أل» - فيه معنى الشرط، ومثله: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا «١»، قلت: وهو أظهر، فإن قلت: ما الحكمة في تقديم المُذكر في هذه الآية، وفي أية الزنا قدم المؤنث، فقال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي؟ فالجواب: أن السرقة في الرجال أكثر، والزنى في النساء أكثر، فقدّم الأكثر وقوعًا. وقدّم العذاب هنا على المغفرة لأنه قابل بذلك تقدم السرقة على التوبة، أو لأنَّ المراد به القطع، وهو مقدم فى الدنيا، و (جزاء) و (نكالاً) : علة أو مصدر.
يقول الحق جلّ جلاله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما أي: أيمانهما من الرسغ، بشروط، منها: ألاَّ يكون مضطرًا بالجوع، على قول مالك، فيقدم السرقة على الميتة، إن عُلِم تصديقه. ومنها: ألاَّ يكون السارق أبًا أو عبدًا سرق مال ولده أو سيده. ومنها: أن يكون سرق من حرز، وأن يكون نِصَابًا، وهو ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، أو ما يساويهما عند مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا قطع في أقل من عشرة دراهم، وقال عثمان البَتى: يُقطع في درهم فما فوق. وفي السرقة أحكام مبسوطة في كتب الفقه.