يقول الحق جلّ جلاله: إِلَّا تَنْصُرُوهُ تنصروا محمداً، وتثاقلتم عن الجهاد معه، فسينصره الله، كما نصره حين أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا من مكة، حال كونه ثانِيَ اثْنَيْنِ أي: لم يكن معه إلا رجل واحد، وهو الصدِّيق، إِذْ هُما فِي الْغارِ نقب في أعلى غار ثور، وثور جبل عن يمين مكة، على مسيرة ساعة. إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ: أبي بكر رضى الله عنه: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا بالعصمة والنصرة.
رُوي أن المشركين طلعوا فوق الغار يطلبون رسول الله صلى الله عليه وسلّم، حين فقدوه من مكة، فأشفق أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما ظَنُّكَ باثنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهِما» «١» فأعماهم الله عن الغار، فجعلوا يترددون حوله فلم يروه. وقيل: لما دخل الغار بعث الله حمامتين، فباضتا في أسفله، والعنكبوت نسجت عليه.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ أي: أًمْنَه الذي تسكن إليه القلوب، عَلَيْهِ أي: على رسوله صلّى الله عليه وسلّم، أو على صاحبه، وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها، يعني الملائكة، أنزلهم ليحرسوه في الغار، أو يوم بدر وأحد وغيرهما، فتكون على هذا: الجملة معطوفة على: (فقد نصره الله). وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا وهي الشرك، أو دعوى الكفر، السُّفْلى. وَكَلِمَةُ اللَّهِ التي هي التوحيد، أو دعوة الإسلام، هِيَ الْعُلْيا حيث خلص رسوله صلّى الله عليه وسلّم من بين الكفار، ونقله إلى المدينة، ولم يزل ينصره حتى ظهر التوحيد وبطل الكفر، وَاللَّهُ عَزِيزٌ غالب على أمره، حَكِيمٌ في أمره وتدبيره.
الإشارة: ما قيل في حق الرسول صلّى الله عليه وسلّم يقال في حق ورثته، الداعين إلى الله بعده من العارفين بالله، فيقال لمن تخلف عن صُحبَة ولي عصره وشيخ تربية زمانه: إلا تنصروه فقد نصره الله وأعزه، وأغناه عن غيره، فمن صحبه فإنما ينفع نفسه، فقد نصره الله حين أنكره أهله وأبناء جنسه، كما هي سُنَّة الله في أوليائه، لأن الداخل على الله منكور، والراجع إلى الناس مبرور، فمن دخل مع الخصوص قطعاً أنكرته العموم، فنخرجه ثاني اثنين هو وقلبه، فيأوي إلى كهف الأنس بالله، والوحشة مما سواه، فيقول لقلبه: لا تحزن إن الله معنا، فينزل الله عليه سكينة الطمأنينة والتأييد، وينصره باجناد أنوار التوحيد والتفريد، فيجعل كلمة أهل الإنكار السفلى، وكلمة الداعين إلى الله هي العليا، والله عزيز حكيم.