وقوله: بِالْقِسْطِ أي: بالعدل بأن يعدل في جزائهم، فلا يظلم مثقال ذرة، أو بعدلهم وقيامهم على العمل في أمورهم، أو بإيمانهم لأنه العدل القويم، كما أن الشرك ظلم عظيم. وهو الأوجه لمقابلة قوله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بسبب كفرهم وشركهم- الذي هو الظلم العظيم- لكنه غيَّر النظم للمبالغة في استحقاقهم العذاب والتنْبيه على أن المقصود بالذات من الإبداء والإعادة هو الإثابة، وأما العقاب فإنما هو واقع بالعرض، وأنه تعالى يتولى إثابة المؤمنين بما يليق بلطفه وكرمه، ولذلك لم يعينه، وأما عقاب الكفرة فإنه إنما ساقه إليهم سوء اعتقادهم وشؤم أفعالهم.
والآية كالدليل لقوله: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً، فإنَّه لمَّا كان المقصود من الإبداء والإعادة مجازاة الله المكلفين على أعمالهم، كان مرجع الجميع إليه لا محالة، ويؤيده قراءة مَن قرأ: «أنه يبدأ» بالفتح، أي: لأنه، ويجوز أن يكون منصوباً بما نصب «وعد الله». قاله البيضاوي.
الإشارة: تقدم بعض إشارة هذه الآية في الأعراف، وقال الورتجبي هنا: جعل العرش مرآت تجلي قدسه ومأوى أرواح أحبابه لقوله: ثُمَّ اسْتَوى... الآية، ثم قال: ثم دعاهم إلى عبادته بعد معرفته بقوله: فَاعْبُدُوهُ. وقال القشيري: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ تعريف، وقوله: فَاعْبُدُوهُ تكليف، فحصولُ التعريف بتحقيقه، والوصولُ إلى ما وَرَدَ به التكليف بتوفيقه. هـ. وقال في قوله: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً: الرجوع يقتضي ابتداء، والأرواح قبل حصولها في الأشباح كان لها في مواطن التسبيح والتقديس إقامة، والغائب إذا رجع إلى وطنه من سفره فلقدومه أثر عند مُحبيِّه وذويه، وأنشدوا:
أَيا قَادماً من سَفرةِ الهَجرِ مَرْحَباً | أَنَا ذاك لا أَنساكَ مَا هَبَّت الصَّبا. هـ. |