قلت: (بما كذبوا به) ذكر هنا الرابط، وحذفه في سورة الأعراف، إشارة إلى جواز الأمرين، وإليه أشار في الألفية، بقوله:
كذَا الذي جُرَّ بما الموصُولُ جَر | ك «مُرَّ بالّذي مررْتُ فَهْو بَر» «١» |
الإشارة: كما بعث الله في كل أمة رسولا يُذكِّرهم ويدعوهم إلى الله، بعث الله في كل عصر وليَّاً عارفاً، يدعو الخلق إلى معرفة الله وتوحيده الخاص، فمن سبقت له العناية آمن به من غير طلب آية، ومن سبق له الخُذلان لا يصدق به ولو راى ألف برهان. وبالله التوفيق.
ثم ذكر بعثة موسى وهارون- عليهما السلام- مفصلة لما فيها من التأسى والتسلية، فقال:
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧٥ الى ٧٨]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨)
يقول الحق جلّ جلاله: ثُمَّ بَعَثْنا، من بعد هؤلاء الرسل مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا التسع، فَاسْتَكْبَرُوا عن اتباعها، وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ معتادين الإجرام، فلذلك تهاونوا برسالة ربهم، واجترءوا على ردها، فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا وعرفوه، وهو بعثه موسى عليه السلام لتظاهر المعجزات على يديه، القاهرة المزيحة للشك، قالُوا من فرط تمردهم: إِنَّ هذا الذي جئت به لَسِحْرٌ مُبِينٌ: ظاهر.
قالَ لهم مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ إنه سحر، فكيف يقدر السحرة على مثله؟ أَسِحْرٌ هذا: أيتوهم أحد أن يكون هذا سحراً؟ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ أي: لو كان سحرا لا ضمحلّ، ولم يبطل سحر
(١) انظر باب الموصول (حذف العائد).