ووعظك لا يؤثر فينا. قالَ نوح عليه السلام: إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ دوني إِنْ شاءَ عاجلاً أو آجلاً، وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ بدفع العذاب عنكم، أو الهرب منه حتى تعجزوا القدرة الإلهية، وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ، وأراد الله أَنْ يُغْوِيَكُمْ، فإن النصح مع سابق الشقاء عنت. وهذا جواب لما أوهموا من أن جداله كلام لا طائل تحته، وهو دليل على أن إرادة الله تعالى يصح تعلقها بالإغواء، وأن خلاف مراد الله تعالى محال. ولذلك قيل: مراد الله من خلقه ما هم عليه. ثم قال: هُوَ رَبُّكُمْ خالقكم والمتصرف فيكم وفق إرادته.
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فيجازيكم على أعمالكم.
الإشارة: ينبغي لأهل الوعظ، والتذكير أن لا يملوا- ولو أكثروا- إذا قابلهم الناس بالبعدُ والإنكار، وليقولوا: ولا ينفعكم نصحنا إن أردنا ان ننصحكم إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ...
الآية.
ولما كان المقصود من القصة تسلية رسوله صلّى الله عليه وسلّم خاطبه فى أثنائها بقوله:
[سورة هود (١١) : آية ٣٥]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥)
يقول الحق جلّ جلاله: أَمْ يَقُولُونَ أي: كفار قريش: هذا الذي يقرؤه محمد علينا، ويقصه من خبر مَن قبلنا افْتَراهُ من عنده. قُلْ لهم: إِنِ افْتَرَيْتُهُ تقديراً فَعَلَيَّ إِجْرامِي اي: وباله عليَّ دونكم، وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ مما ترتكبون من الإجرام بتكذيبكم وكفركم.
الإشارة: ينبغي لمن قوبل بالتكذيب والإنكار أن يكتفي بعلم الله، ويقول لمن كذبه ما قال نبيه صلى الله عليه وسلّم لمن كذبه: (إن افتريته فعلي إجرامي... ) الآية. وفي الحِكَم: «متى آلمك عدم إقبال الناس عليك، أو توجههم بالذم إليك، فارجع إلى علم الله فيك، فإن كان لا يقنعك علمه فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه أشد من مصيبتك بوجود الأذى منهم..».
قال الشيخ زروق رضى الله عنه: وذلك لأن عدم قناعتك بعلمه يُصيبك في قلبك ودينك، وأذاهم يُصيبك في عرضك وبدنك ودنياك، وأيضاً: أذاهم يردك إليه، فهو فائدتك، وعدم القناعة بعلمه يردك إليهم، فهى مصيبة توجب ثلاثاً، هي علامة عدم القناعة بعلمه: أولها: التصنع والمراءة، الثاني: طلب رضاهم بما أمكن في جميع الحالات. الثالث: إظهار علمه وعمله وحاله، ليعلموا برتبته.
والقناعة بعلمه علامتها ثلاث: أولها: قصد الإخلاص في كلٍّ، بحيث لا يبالي أين رآه الخلق، وكيف رأوه.
الثاني: طلب رضاه بالعمل بطاعته، وترك ما لا يرضيه، رضوا بذلك أو سخطوا. الثالث: الاكتفاء بعلمه فيما يجري عليه من حكمه وحكمته، قال إبراهيم التيمي رضى الله عنه لبعض أصحابه: ما يقول الناس فِيّ؟ فقال:


الصفحة التالية
Icon