وفي الحكم: «أنت الذاكر من قبل الذاكرين، وأنت البادئ بالإحسان من قبل توجه العابدين، وأنت الجواد بالعطاء من قبل طلب الطالبين، وأنت الوهاب ثم أنت لما وهبتنا من المستقرضين».
ومحبة الله لعبده: حفظه ورعايته، وتقريبه واصطفاؤه لحضرته، وقال القطب ابن مشيش- رضى الله عنه-:
المحبة أخذة من الله قلبَ من أحب، بما يكشف له من نور جماله، وقدس كمال جلاله، وشراب المحبة: مزج الأوصاف بالأوصاف، والأخلاق بالأخلاق، والأنوار بالأنوار، والأسماء بالأسماء، والنعوت بالنعوت، والأفعال بالأفعال.
قلت: ومعنى ذلك: غيبة العبد في شهود الحق، وهو مقام الفناء، ثم قال رضى الله عنه: والشراب- أي: الشرب- سقي القلوب والأوصال والعروق من هذا الشراب، حتى يسكر، ويكون الشرب بالتدريب بعد التدريب والتهذيب، أي يكون شرب الخمرة شيئًا فشيئًا، ووقتًا فوقتًا، حتى يتمكن من شهود المعاني بلا فترة، فذلك الرّي، وذلك بعد كمال التهذيب، فيسقى كل على قدره، فمنهم من يسقي بغير واسطة، والله سبحانه يتولى ذلك منه، (قلت: وهو نادر، والغالب عليه الانحراف)، ومنهم من يسقي من جهة الوسائط، كالملائكة والعلماء والأكابر من المقربين، (قلت:
قوله: كالملائكة... تمثيل للوسائط، فالملائكة للأنبياء، والعلماء بالله وأكابر المقربين لغيرهم)، ثم قال: فمنهم من يسكر بشهود الكأس، ولو لم يذق بعدُ شيئًا، فما ظنك بعدُ بالذوق، وبعدُ بالشرب، وبعدُ بالري، وبعدُ بالسكر بالمشروب، ؟! ثم الصحو بعد ذلك على مقادير شتى، كما أن السكر أيضًا كذلك. انظر بقية كلامه مع شرحه في شرحنا لخمرية ابن الفارض.
وقال شيخنا البوزيدى رضى الله عنه: المحبة لها ثلاث مراتب: بداية ووسط ونهاية فبدايتها لأهل الخدمة، كالعباد والزهاد والصالحين والعلماء المجتهدين. ووسطها لأهل الأحوال، الذين غلب عليهم الشوق حتى صدرت منهم شطحات ورقصات وأحوال غريبة ربما ينكرها أهل ظاهر الشريعة، فمنهم من يغلب عليه الجذب حتى يصطلم، ومنهم من يبقى معه شيء من الصحو، وهؤلاء تظهر عليهم كرامات وخوارق العادات، ونهايتها لأهل العرفان، أهل مقام الشهود والعيان، الذين شربوها من يد الوسائط وسكروا بها، وصحوا. هـ. بالمعنى.
وفي الورتجبي ما حاصله: أن محبتهم بعد المشاهدة، وإلا لم تكن محبة حقيقة لان محبة الآلاء والنعماء معلولة، ولا كذلك هذه، لأن من رآه عشقه، وكيف يرجع عنه من كان مسلوب القلب بعشقه لجماله؟ ولذلك لم يرتدوا عن دينهم الذي هو المحبة. هـ.
وللمحبة علامات وثمرات، ذكر بعضَها الحق تعالى بقوله: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أي: متواضعين عاطفين عليهم، أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ، أي: القواطع، غالبين عليهم، يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي: